قطار التطبيع يسير بسرعة ولم يبقَ سوى بضعة أيام لوصول القطار لمحطته النهائية، فاليوم لحق السودان بالبحرين والإمارات، ويفصلنا عن موعد الانتخابات الأمريكية أقل من أسبوعين، وسيكون الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أكثر حرصًا على توظيف هذا الملف في خدمة توجهاته الانتخابية وكسب أصوات اليمين المسيحي واللوبي اليهودي، ويعكس ذلك تصريحه اليوم بأنه ثمة احتمال بحضور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لمراسم توقيع اتفاق التطبيع السوداني الإسرائيلي، فالعين على المملكة العربية السعودية لما لها من مكانة ورمزية دينية لجموع المسلمين على هذه المعمورة.
التطبيع مع السودان مختلف كثيرًا لـ(إسرائيل) عن التطبيع مع غيرها من الدول، ولهذا وصفته بالتاريخي، فهذه الدولة التي احتضنت قمة اللاءات الثلاثة بعد هزيمة حزيران 1967م، واحتضنت منظمة التحرير وبعدها حركة المقاومة الإسلامية حماس وسمحت بأن تكون أراضيها ممرًّا للسلاح الذي يصل عبر ميناء بور سودان على البحر الأحمر، وأن تحتضن كوادر الحركة وعناصرها وتفتح لهم جامعاتها، وتعاملهم كالمواطنين السودانيين، كل ذلك في نظر (إسرائيل) سيتوقف في ظل الحكومة الجديدة التي وقعت اتفاق التطبيع، وخرجت من لائحة الدول التي تدعم الإرهاب من المنظور الأمريكي، لكن في المقابل لا يمكن أن نَمُرَّ مرور الكرام على ما حدث للسودان من حصار مشدد وغياب للبديل العربي والإسلامي وحتى لدول عظمى كالصين وروسيا في إنقاذ السودان الذي أنهكه الحصار والجوع، وكأن العالم أجمع متآمر على الدول التي تريد أن تكون حرة بقرارتها، وتدافع عن شرف ومقدسات الأمة لا سيما في فلسطين.
لا يمكن أن نلقي بحمم تصريحاتنا على الدول المطبِّعة، رغم أهمية إدانة التطبيع بل تجريمه، ولكن بخطى متوازية ينبغي أن ندرك أن (إسرائيل) تشتري التطبيع منا كفلسطينيين عبر شراء الهدوء، وبقاء حالة الانقسام، ولا يمكن إيقاف التطبيع إلا عبر ثلاثة إجراءات هي:
1. العمل الجاد والسريع على إنهاء الانقسام.
2. لذهاب للانتخابات لكل المؤسسات السياسية الفلسطينية بالتزامن.
3. التوافق على بدء انتفاضة شعبية، مع ضرورة تطوير دبلوماسية جديدة يندمج الشعبي مع الرسمي للتأثير في مكونات الدول وأحزابها ومجتمعها المدني لا سيما الدول التي طبعت والتي تنتظر.
في الختام فإنني أبرق رسالة إلى كل القيادات الفلسطينية الرسمية والشعبية والفصائلية بالقول: أخشى ما أخشاه أن يلتحق بقطار التطبيع جزء كبير من دولنا العربية، وأن تبدأ رحلة جديدة بعد التطبيع وهنا مكمن الخطورة التي تتمثل في استبدال ممنهج بين الولايات المتحدة و(إسرائيل) يقوم على أن تتولى (إسرائيل) حماية الأنظمة السياسية المطبّعة، وذلك عبر توقيع اتفاقيات دفاع مشترك بين (إسرائيل) وهذه الدول، وحينها ينبغي أن نضع في حساباتنا سيناريو أن تطلب (إسرائيل) وفقا لهذه الاتفاقيات أن تتدخل لحمايتها من عمليات المقاومة الفلسطينية المنطلقة من قطاع غزة أو غيرها من المدن الفلسطينية أو اللبنانية.
للأسف لا أجد تفسيرًا واحدًا يؤخر عقد لقاء الأمناء العامّين للفصائل الفلسطينية في ظل التحديات الأخطر على القضية الفلسطينية، فإن لم يحرككم ما يحدث، فيا ترى هل أنتم جديرون بالقيادة؟ سؤال برسم الإجابة، والوقت ليس في صالحنا، والتفكير خارج الصندوق هو الوصفة الأمثل لقيادة المرحلة.