فلسطين أون لاين

مع كورونا.. إقامة الصفوف في المساجد سنة وليست واجبًا

...
غزة-مريم الشوبكي:

عادت المساجد لاستقبال المصلين في مدينة غزة وشمال القطاع، فجر أول من أمس، لأول مرة منذ أسابيع، بعد أن كانت مغلقة ضمن إجراءات مواجهة انتشار فيروس كورونا، باستثناء بعض المساجد التي تقع في المناطق المصنفة "حمراء" الأكثر تسجيلًا لعدد الإصابات.

وكانت وزارة الأوقاف والشئون الدينية في غزة طالبت المصلين بالالتزام بإجراءات الوقاية والتباعد بينهم، للحد من انتقال العدوى بينهم، فما حكم من يتهاون في تطبيق هذه الإجراءات؟

يقول أستاذ الفقه الإسلامي وأصوله بكلية الدعوة الإسلامية د. عبد الباري خلة: "يجب على المسلم أن يستعين بالله تعالى، ويتوكل عليه، قال الله تعالى: "وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ" (آل عمران: 160).

ويؤكد خلة لصحيفة "فلسطين" أن من الواجب الأخذ بأسباب الوقاية من المرض، ومنها: طاعة ولي الأمر فيما أمر؛ فهي واجبة، قال الله (تعالى): "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ" (النساء: 59)، وأولوا الأمر هنا هي وزارة الصحة، التي تعرف مدى خطورة هذا الوباء.

ويشير إلى أنه يجب على المكلفين التزام توجيهات الوزارة، ومن أهمها: النظافة: نظافة الثوب، والبدن، والمكان، فيغسل الإنسان ملابسه، ويديه، وبيته، ومكتبه، ولا يعانق، ولا يصافح، ويبتعد عن الآخرين، مع عدم المخالطة، والمزاحمة، والتقليل من الخروج من البيت إلا لحاجة.

ويوصي خلة كبار السن، والمرضى، وضعيفي المناعة بأن يحتاطوا لأنفسهم أكثر من غيرهم، ولا يخرجوا إلا للضرورة، مع كامل الأخذ بأسباب الوقاية.

وعن سؤاله عن حكم تهاون الشخص في تطبيق هذه الإجراءات؟، يجيب: "لا يجوز الإضرار بالآخرين، سواء الإضرار المباشر أم بالتسبب، وسواء كان الإضرار ماديًّا أم معنويًّا".

ويتابع خلة: "لا يجوز التسبب في انتشار المرض المعدي، ولا يجوز مخالطة المرضى؛ خشية انتقال الفيروس، إلا لسبب شرعي صحيح، كالعلاج، والنقل، وتقديم الطعام والشراب مع أخذ كامل الحيطة ووسائل الحماية الطبية المعهودة، يقول الله (تعالى): "وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا" (الأحزاب: 58)".

ويلفت إلى أن من أهمل في أخذ الإجراءات الوقائية فهو آثم، لأن في فعله ضررًا عليه أو على غيره، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ" (رواه أحمد بسند حسن)، فليس مسموحًا للشخص أن يضر نفسه، ولا يحق له إلحاق الضرر بغيره.

بعضٌ يعتقد أن إجراءات التباعد لا تستقيم الصلاة بها، وأنها "مخالفة للسنة"، يبين خلة أن الفقهاء اتفقوا على مشروعية تسوية الصفوف في الصلاة، واختلفوا في حكمها على أقوال، الراجح منها أنه يستحب تسوية الصفوف في الصلاة، وهو قول الجمهور من أصحاب المذاهب، واستدلوا على ذلك بحديث أبي هريرة (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: "وَأَقِيمُوا الصَّفَّ فِي الصَّلاَةِ، فَإِنَّ إِقَامَةَ الصَّفِّ مِنْ حُسْنِ الصَّلاَةِ" (رواه البخاري).

ويوضح أن الحديث السابق يدل على أن إقامة الصفوف سنة، وليست بواجبة؛ لأنها لو كانت واجبة لما قال من حسن الصلاة، بل قال من شرط الصلاة.

ويذكر خلة أنه لا شك أن الصلاة مع التباعد، وترك التسوية مكروه فعله في الحالات العادية، وتزول الكراهة في حال الحاجة أو الضرورة، كزمن الأوبئة.

ويكمل: "على قول من قال بالوجوب (الظاهرية) يرتفع الإثم لوجود الضرورة، ألا ترى أن الشارع أباح ترك ركن من أركان الصلاة لوجود العُذر، فأباح للعاجز عن القيام في الصلاة أن يقعد مع أهمية هذا الركن؟، فمن باب أولى أن يبيح التباعد بين المصلين للضرورة".

إجراءات وقائية

ويطالب بيان وزارة الأوقاف الخاص بفتح المساجد بالتزام جميع المصلين الإجراءات الوقائية، طيلة مدّة الوجود في المساجد، وإحضار كل مصلٍّ مصحفه وسجادة صلاته الخاصة، ولا يُصلي عليها غيره، وترك مسافة مترين بين المصلين في الصف الواحد.

وتؤكد "الأوقاف" أهمية التزام المصلين بترك مسافة متر فيما بينهم عند دخول المسجد، والخروج منه، والوضوء في البيت، وعدم استخدام دورات المياه، وثلاجات المياه، إذ ستغلق، مشيرةً إلى أن شهود الصلوات فقط للأصحاء، ويُمنع حضور ضعاف المناعةِ، ومرضى الجهاز التنفسي، والأمراض المعدية، والنساء، والأطفال، إلى المساجد.

ووفق ما ذكرت الوزارة إن فتح المساجد سيكون قبل الأذان بـ10 دقائق، وغلقها بعد الصلاة بـ10 دقائق، ومدة الانتظار بين الأذان والإقامة لا تزيد على 10 دقائق في جميع الصلوات، عدا الفجر 20 دقيقة، وتُمنع نقاط البيع أمام المساجد بعد الصلوات.

وفتح المساجد فقط لأداء الفريضة، ويُمنع إقامة أي برامج أو محاضرات أو احتفالات أو حلقات التحفيظ، أو أي أنشطة جمعية، وستبقى مصليات النساء مغلقة، إلى حين تغير المعطيات، ووجود موقف جديد.

ولا تزيد مدة خطبة الجمعة على 10 دقائق –كما جاء في بيان الوزارة- التي أكدت على الأئمة عدم الإطالة في الصلوات المكتوبة والتلاوة من قصار السور.

وتؤكد "الأوقاف" أن على جميع المصلين اجتناب المصافحة، واتباع آداب السعال والعطاس بتغطية الفم والأنف، وعدم التجمهر أمام المساجد لأي سبب، والتعاون مع اللجان المسجدية بتنفيذ الإجراءات الوقائية؛ حفاظًا على سلامة الجميع.

وتطالب جميع العاملين في المساجد بتنظيف المساجد وتطهيرها يوميًّا باستمرار، وفتح جميع النوافذ، والمحافظة على التهوية الجيدة والتعقيم المستمر لأماكن التلامس، وعدم تشغيل المراوح مطلقًا، لأنها تساهم في توزيع الفيروس حال وجوده.

يشار إلى أن وزارة الأوقاف قررت قبل أسبوعين فتح مساجد المنطقة الوسطى وجنوبي القطاع بالإجراءات نفسها، بعد إغلاق استمر أكثر من شهر ونصف بسبب جائحة "كورونا".