بمجرد أن غادر الملوك والرؤساء العرب مطار بيروت مهللين مستبشرين بالإعلان عن مبادرة السلام العربية بتاريخ 28/3/2002، جاء الرد الإسرائيلي بعد 24 ساعة! إذ شن الجيش الإسرائيلي بتاريخ 29/3/2002 حرباً ضد سكان الضفة الغربية تحت مسمى "عملية السور الواقي" قتل الإسرائيليون خلالها ما يقارب ألف من العرب، وبلغ عدد الجرحى 3000 عربي فلسطيني، ورغم ذلك، لم يغضب ملوك ورؤساء العرب، ولم يشعر أي منهم بالحرج من عنف الرد الإسرائيلي، ولم يطالب أيهم بعقد مؤتمر قمة طارئ، يراجعون فيه مبادرتهم، ويتخلون عن بعضها، أو يعدلوا عليها بسبب الإرهاب الإسرائيلي المنظم ضد الفلسطينيين.
وبعد عدة أيام من مبادرة السلام العربية، وافقت الحكومة الإسرائيلية على بناء جدار الفصل العنصري، وما يعني ذلك من دلالات سياسية تؤكد عدم العودة إلى حدود 67.
وبعد أربع سنوات من مبادرة السلام العربية، وبعد أن طال الوقوف العربي على أبواب الإسرائيليين توسلاً واستجداءً لقبول مبادرتهم، شن الجيش الإسرائيلي حرباً ضد لبنان سنة 2006 ، وقتل الإسرائيليون 1200 عربي لبناني، وجرحوا 4400 عربي آخر، ومع ذلك لم تسقط مبادرة السلام العربية، ولم يفكر قادة العرب بمراجعة مبادرتهم، أو تعديلها، أو فرضها بقوة القانون الدولي، أو بقوة الحق العربي، أو بقوة مبادرة السلام التي أجمع عليها ملوك ورؤساء العرب.
وبعد ست سنوات من مبادرة السلام العربية، شن الجيش الإسرائيلي حرباً على غزة سنة 2008، قتل وذبح وقصف المدنيين تحت سمع وبصر قادة العرب، الذين لم يحركوا ساكناً، ولم يغضبوا، أو يلوحوا بإسقاط مبادرة سلامهم، ما دام عدوهم المفترض يحتقر توجههم، ولا يلتفت ليدهم البيضاء جداً، الممدودة للسلام، لقد قتل الجيش الإسرائيلي في تلك الحرب أكثر من 1300 عربي، وترك خلف دباباته أكثر من 5000 جريح.
وبعد عشر سنوات من إعلان العرب عن مبادرة السلام العربية، شن الجيش الإسرائيلي سنة 2012، حرباً ضد سكان غزة، تلك الحرب التي قتل فيها الإسرائيليون في غضون سبعة أيام 174 عربياً، وجرحوا المئات، ومع ذلك لم تتأثر مبادرة السلام العربية بعدد القتلى العرب.
وبعد اثني عشر عاماً من مبادرة السلام العربية، شن الجيش الإسرائيلي حربه الثالثة ضد سكان قطاع غزة، حرب استمرت 51 يوماً، وتعد أطول حرب بين العرب والإسرائيليين، قتل الجيش الإسرائيلي خلالها 2174 عربياً، وجرح أكثر من عشرة آلاف عربي، ومع ذلك لم يبدل العرب من طباعهم، ولم يعدلوا من مواقفهم تجاه عدوهم الإسرائيلي.
وبين حرب وحرب، لم يكف العدو الإسرائيلي يده الاستيطانية عن السيطرة على أرض الضفة الغربية، والاستيلاء عليها، ولم يكف عن تهويد المقدسات الإسلامية والمسيحية، ولم يكف عن القتل اليومي لمواطني الضفة الغربية، ولم يتراجع عن مداهمة البيوت، واعتقال آلاف الأسرى، واحتقار القيم الإنسانية للفلسطيني المضطهد.
ندقق في هوية القتلى العرب، ونحصي عددهم، ونحدد مكان تصفيتهم، ليس حباً في إظهار دمنا النازف، ولا رغبة في الكشف عن نبض الوجع، نَذكُر الأرقام لكي نُذكّر كل أولئك الذين يطالبون بتطبيق مبادرة السلام العربية، بأنهم واهمون، وأن المبادرة لم تكن يوماً هي الدواء الشافي لأمراض الاحتلال.
مبادرة السلام ولدت ميتة، فقد ذبحتها إسرائيل في اليوم التالي، وكان يجب على قادة العرب العودة للاجتماع في اليوم الأول لعملية السور الواقي، وأن يثأروا لكرامتهم التي أهانتها إسرائيل، فقط الثأر، الثأر لكرامتهم، ولا أقول تحرير أوطانهم.
سنوات طويلة من القتل والإهانة للعرب، ولم تقرع الأجراس أمام قادتهم، وهذا مؤشر على أن الأنظمة العربية بما في ذلك القيادة الفلسطينية معزولون عن الواقع، ومعزولون عن مزاج الشارع العربي، وهذه العزلة شجعت بعض الأنظمة لتفاجئ شعوبها بالتطبيع مع الإسرائيليين، وأزعم أن الشعوب العربية سترد الصاع صاعين، وستفاجئ الأنظمة العربية بالانفجار الغاضب، الذي سيعيد ترتيب أوراق المنطقة وفق الإرادة العربية، فالعربي الأبي يأبى أن يظل غزالة ضعيفة تنزف خيبة بين مخالب الوحش الصهيوني.