تشكل قضية إضراب الأسرى في سجون الاحتلال وجعًا وألمًا دائمين دون توقف لكل حر وشريف، ليس فلسطينيًّا فحسب، بل كل عاشق للحرية والانطلاق وعمارة الكون، كون الأسرى يدافعون عن قيم الحرية والكرامة والعدالة، ويدفعون لذلك ثمنًا غاليًا من زهرات شبابهم، وأجسادهم لعيون الوطن.
وجع الأسرى هو وجعنا، فجوعهم ليس هواية ولا شغفًا، بل هو حالة اضطرارية، للتخفيف من ضغط وألم السجن، وتقريب ساعة حريتهم.
كل فكرة جديدة متطورة يتبعها خطوة أخرى للتضامن مع الأسرى جديرة بالتطوير والتحسين، وحبذا لو تتطور وتصل إلى عواصم العالم (العرب والغرب) الذي يدعم الاحتلال، ليعرف حقيقة ما يفعله بأسرانا وأسيراتنا الماجدات.
حالة التضامن مع الأسرى حتى اللحظة لم ترق لمستوى تضحيات الأسرى المضربين، ولا معاناة الأسرى دون الإضراب، والتضامن ليس منة ولا فضلًا وتكرمًا من أحد، بل هو واجب وطني وديني وأخلاقي.
أهداف إضراب الأسرى وطموحاتهم وآمالهم جديرة بأن نضحي لها، ونعلي شأنها لننتصر لاحقًا على المحتل الغاصب، فلولا وجود عنوان للتضحية والفداء _وهم الأسرى_ لصارت الحياة جحيمًا لا يطاق، بانتصار السجان والظلم والطغاة.
لنفترض جدلًا أن أسيرًا من كيان الاحتلال لدى المقاومة في غزة أضرب عن الطعام يومًا واحدًا فقط، لو حدث ذلك لقامت الدنيا ولم تقعد، وصارت صوره تعلق في كل عواصم الدنيا، وصار حديث الساعة، وملأ كيان الاحتلال الدنيا صراخًا وعويلًا، ولم ينم ساعة واحدة ملء جفنيه، وراحت يقول عن الفلسطينيين إنهم يجوعون الأسرى ولا يحترمون قوانين ولا مواثيق دولية ولا يعرفون الأخلاق، وليسوا ببشر.
الأسرى الأبطال حتى دون إضراب عن الطعام يعدون نقطة حساسة وساخنة لدى مختلف أطياف الشعب الفلسطيني، فما ندر أن نجد فلسطينيًّا لم يذق طعم وعذابات الأسر، ومن هنا تبقى قضيتهم حية دائمة في قلوب الفلسطينيين وتستفزهم ساعة بساعة، وتبلغ القلوب الحناجر مع تواصل إضراب الأسرى عن الطعام، الذين قد يستشهد أي واحد منهم فجأة لتدهور وتردي حالته الصحية.
ما أكثر بطولات الشعب الفلسطيني وهو يصارع ويقاوم أعتى قوة احتلال على وجه الأرض!، فقضية الأسرى تجمع كل أطياف الشعب الفلسطيني وقواه في بوتقة تحدي الاحتلال الظالم، الذي لا يحترم أي اتفاق بتلاعبه به، وينقض كل عهد، حقيقة أزلية.
الماء والملح مشروب الكرامة، من لا يعرف طعمه فعليه أن يجربه، ولو مرة واحدة، ليتذوق جزءًا بسيطًا لا يكاد يذكر من معاناة الأسرى في سجون الاحتلال، الماء والملح يضطر إليه الأسرى ويشربونه من فوق المعدة كي يحافظوا على عدم تلف معدتهم وجهازهم الهضمي، وهو ما يحاول السجان منعهم منه للضغط عليهم.
الأسر يعني الموت البطيء؛ فالأيام تمر سريعًا خارج السجن، ولكن داخله تمر الثواني ثقيلة وبطيئة ومعها العذاب، والموت يلاحق الأسرى، خاصة في العزل.
يقبل الأسرى الجوعى إلى الحرية وربوع الوطن على معركة الأمعاء الخاوية، بعد أن أكرههم الاحتلال على ذلك بظلمه الذي لا تحتمله النفس البشرية، ويخوضون هذه المعركة الشرسة بانتظار أن ينصرهم الخارج بشكل فعال ويتحرك نصرة لهم ولبقية الأسرى في سجون الاحتلال الظالمة.
النصر في معركة إضراب الأسرى ما هو إلا صبر ساعة، وهي لحظات صبر أقوى من الجدران والزنازين والأسلاك الشائكة، وإن النصر في النهاية لأصحاب الحق والأرض والأخلاق والحرية والكرامة، وإن من اغتصبوا فلسطين في غفلة من الزمن مصيرهم قريبًا قريبًا إلى مزابل التاريخ، "ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبًا".