فلسطين أون لاين

سلامة الصدر "نعمة كبرى" من علامات الإيمان

...
غزة -هدى الدلو:

من أخلاق الإسلام العظيمة سلامة الصدر، فمن حمله في قلبه عاش مطمئنًا محبوبًا، ولا يوفق له إلا من أيقن أن الدنيا فانية، فهو يوصل إلى الجنة لكون القلوب خالية من الحقد والحسد، فكيف يحصل الإنسان على مهارة سلامة الصدر، ويتحلى بخلق الأنبياء؟

الأستاذ المشارك في الفقه وأصوله بكلية الشريعة والقانون في الجامعة الإسلامية د. زياد مقداد يرى في حديث مع صحيفة "فلسطين" أن الضغائن والشحناء والغل والحسد في هذه الأيام كثرت بين الناس، ما ترتب عليه كثير من قطع للعلاقات، مع العلم أن الشريعة الإسلامية جاءت بتعاليم المحبة والألفة والصفاء والنقاء، ومراعاة المسلم لمشاعر أخيه، وغيرها من الأمور التي تكفل سلامة الصدر للمسلمين.

ويقول مقداد: "لعل من أهم الأمور التي جاءت بها الشريعة ووجهت المسلمين إليها لتبقى نفوسهم وصدورهم سليمة بعض التصرفات والأقوال والأعمال التي من شأنها أن تسبب صفاء القلوب، فقال (صلى الله عليه وسلم): "لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أوَلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟، أفشوا السلام بينكم"، فإفشاء السلام يصفي القلوب ويسلم من الغل والحسد".

وعن عبد الله بن عمرو قال: "قيل لرسول الله ﷺ: أي الناس أفضل؟"، قال: "كل مخموم القلب، صدوق اللسان"، قالوا: "صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟"، قال: "هو التقي النقي، لا إثم فيه ولا بغي، ولا غل، ولا حسد".

ويوضح مقداد أن الشريعة بالجملة جاءت لتشجع الناس على سلامة الصدر، فهي تعرف أن هناك خلافات بين المسلمين، ولكن يجب أن تكون طريقة المعالجة سريعة حتى تنزع الغل، لقوله (تعالى): "وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ" (الحجرات: 9)، وذلك حتى لا يترسخ الحقد والحسد، فالإصلاح سبيل لنزع الخلافات والصراعات، وللحفاظ على سلامة النفوس.

ويؤكد أن القرآن الكريم يعد سلامة القلب من علامات الإيمان، فإذا عرف الإنسان ذلك فإنه سيحرص أن يكون قلبه سليمًا، "يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ" (الشعراء: 88-89)، وصاحب القلب السليم هو من ينتفع يوم القيامة لتخلص قلبه من آفات الشح والكبر وحب الدنيا.

ويبين مقداد أن سلامة الصدر نعمة كبرى، فمن أنعم عليه بها فإنه ملك مفتاح من مفاتيح الصدور، وأن الله جعل سلامة الصدر نعمة من النعم التي خص بها أهل الجنة، "وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ" (الحجر: 47)، فمن ينزع الغل من قلبه يتهيأ لأن يكون من أهل الجنة.

بدوره يقول العضو الاستشاري في رابطة علماء فلسطين الداعية أحمد زمارة: "المسلم يعمل جاهدًا ليحقق الطمأنينة لقلبه والسكينة لروحه، تراه لا يدرك ذلك إلا بسلامة صدره وصفاء قلبه، من الأدران والأحقاد والكراهية، عن النعمان بن بشير (رضي الله عنه) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلَحتْ صلَح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب".

صدر منشرح

ويلفت إلى أن صلاح الجسد في صلاح القلب، وصلاحه بسلامته المرجوة التي لا يتحصل عليها المرء إلا بقلب سليم وصدر منشرح.

ويضيف زمارة: "ولأن الصدر المنشرح من أعظم النعم، كانت سورة في القرآن، تتلى إلى يوم القيامة، تحمل هذه المعنى، وتذكر خير الخلق بهذه النعمة العظيمة، إذ قال الله (سبحانه) ممتنًا على نبيه (صلى الله عليه وسلم): "ألم نشرح لك صدرك" (الانشراح: 1).

ويبين أن سلامة الصدر سبيل لاستقامة الدين والإيمان: "لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه، ولا يدخل رجل الجنة لا يأمن جارُه بوائقَه"، أيضًا تعين صاحبها ليتفرغ لعبادة ربه على أحسن وجه، ويتقرب لمولاه بحب العباد وبذل الخير لهم.

ويذكر قول النبي (صلى الله عليه وسلم): "أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين على آثارهم كأحسن كوكب دري في السماء إضاءة، قلوبهم على قلب رجل واحد، لا تباغضَ بينهم ولا تحاسد".

ويوضح زمارة أن سلامة الصدر يتوارثها الكبار العظماء جيلًا بعد جيل، ابتداءً من أنبياء الله ورسله (عليهم الصلاة والسلام)، فهم أحبوا الخير لأقوامهم رغم ما لاقوه منهم من العذاب، بذلوا المعروف وغضوا الطرف عن الأذى، منشرحة صدورهم بذلك وهدفهم الأسمى إنقاذ أقوامهم من النار، فقال (تعالى) عن نبيه إبراهيم (عليه السلام): "وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيم" (الصافات: 83 -84).

وتطرق إلى الأسباب التي تعين على سلامة الصدر: الاستعانة بالله وحده والإيمان بما عنده وطلب الهداية والاستقامة، قال (تعالى): "فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا" (الأنعام: 125)، وكذلك الدعاء والإلحاح على الله أن يشرح الصدور ويشفي القلوب.

وينبه إلى أن منها أيضًا الإقبال على كتاب الله وتدبر آياته، فالقرآن بلسم وشفاء، وهداية ورشاد، به تطمئن القلوب وتسكن النفوس وتنشرح الصدور، لقوله: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ" (يونس: 57)، إضافة إلى إفشاء السلام؛ فهو رسالة سلام وأمن وإيمان، وإصلاح ذات البين.

ويشير زمارة إلى أن الرسول الله (صلى الله عليه وسلم) وجه أمته في العديد من المواقف لحب الخير للناس، عن أنس (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "لا يؤمن أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحب لنفسه".

ويختم حديثه بقوله: "البغضاء والضغينة والحقد لا تأتي على صاحبها إلا بشر وتحجب عن عمله الصالح القبول، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "تُفتَحُ أبواب الجنة يوم الإثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئًا، إلا رجلًا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا".