قال الله (تعالى): {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}، وقال (جلَّ وعلا): {فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ}، فما الغُرور (بالضمة) وما الغَرور (بالفتحة)، وما العلاقة بينهما؟
لقد كانت العرب تقول عن الحمل الكاذب غُرور، لذا جاءت في سياق الآية لتعبر عن الدنيا ومتاعها بالحمل الكاذب، تصوروا مدى الإحباط الذي يصيب عائلة انتظرت مولودها سنوات بصبر نافد ولكن تبين أنه حمل كاذب، فما بالكم بخيبة الأمل وبالحسرة التي ستصيب من ضيّع عُمُره لهثًا وراء سراب اسمه الدُنيا ثم يكتشف أنها كانت حملًا كاذبًا؟!، لذا حذرنا الله (تعالى) من أن نغتر بهذه الحياة الدُنيا فقال: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}.
هذه الدُنيا بزينتها وأموالها وأولادها ونسائها ومناصبها وبساتينها والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ... كل هذا النعيم –وإن امتلكه الإنسان-كمثل مطر نزل من السماء فأخرج الله به نباتًا خضرًا أعجب الزُّراع ولكن ما لبث إلا أن تحوّل الخضار إلى اصفرار تذروه الرياح، ويا ليت الأمر يتوقف عند هذا الحد، بل عذابٌ شديد ينتظر من أضاع الصلوات وكل العبادات واتبع الشهوات ... حرم الفقراء زكاة ماله، بل جمع المال بطرق مُحرمة، ومنع أخواته وبناته من حقهم في الميراث ... أما الذكي الفطن الذي قرأ هذه الدُنيا وفهمها مبكرًا وعمل لما بعد الموت فهو الذي سيضحك أخيرًا ويرتاح بعد عناء ويفوز برضوان الله والجنّة.
وأما الغَرور (بالفتحة) فهو الشيطان الذي توعد بالقعود لنا في كل طريق خير ليثنينا عنه ويجلس على كل سبيل من سبُل الشر يغوينا ويوسوس لنا للولوج فيه، فقد خَطَّ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) خَطًّا فقال:" هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ"، وَخَطَّ خَطَّيْنِ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ، فَقَالَ: "هَذِهِ سُبُلُ الشَّيَاطِينِ"، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ فِي الْخَطِّ الأَوْسَطِ، وَتَلا الآيَةَ :{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
لذا قد حذرنا الله (تعالى) من الشيطان وغوايته في أكثر من موضع في القرآن الكريم فقال: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَاب السَّعِير}.
نفسي وشيطاني والدنيا والهوى *** كيف الخلاص وكلهم أعدائي؟!
الخلاص والنجاة في البعد عن المعاصي والمسارعة في الطاعات والإكثار منها {وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}.