القضية الفلسطينية تمر الآن بأصعب مراحلها لما يحاك عليها من مؤامرات في تصاعد مستمر لتصفيتها من مضمونها، إذ تستغل الولايات المتحدة الأمريكية متمثلة في إدارة الرئيس دونالد ترامب الظروف والأوضاع الراهنة لتمرير مؤامرتها التي تحمل اسم صفقة القرن، أيضًا تضغط هذه الإدارة بثقلها على الدول العربية بكل الوسائل من أجل تخليها عن القضية الفلسطينية، إما بالتهديد أو الترغيب، فها هما دولة الإمارات ودولة البحرين قد طبعتا علاقتهما مع دولة الاحتلال، وسيتبعهما عدد من الدول الأخرى تحت ستار حق الدول في البحث عن مصالحها، ولو على حساب شعوبها وعلى حساب قضية شعبنا الوطنية التي بقيت سنوات وعقودًا قضية العرب الأولى، لكون فلسطين جزءًا من الوطن العربي الكبير الذي قسمته الدول الاستعمارية بعد الحرب العالمية الأولى وانتصارها فيها.
أيضًا هذه الإدارة تطلق العنان للاحتلال الإسرائيلي بمنحه الضوء الأخضر ليفعل كما يشاء من ضم وتهويد وإقامة المزيد من المستوطنات والبؤر الاستيطانية وتوسيعها، خاصة بعد اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة للاحتلال، وتشد هذه الإدارة على يد الاحتلال لمواصلة الحصار المفروض ظلمًا على مليوني إنسان يعيشون حياة ضنكًا في قطاع غزة.
وأمام هذا الواقع المرير، جاءت الخطوات الرامية إلى استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية، وإنهاء الانقسام الأسود والبغيض الذي يستغله الاحتلال لتمرير مخططاته في الأرض الفلسطينية المحتلة، ولقد استبشر شعبنا خيرًا بهذه الخطوات، خاصة اجتماع قادة الفصائل برئاسة الرئيس محمود عباس، الذي عقد عبر «الفيديو كونفرنس» بين القيادة وعدد من الفصائل في رام الله وقيادة فصائل أخرى في بيروت؛ فالشعب الفلسطيني عاش مرحلة طويلة على مدار سنوات الانقسام من الإحباط من جولات المحادثات لتحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام، وله تساؤلات كثيرة عن سبب اختيار العديد من عواصم العالم لعقد اللقاءات بين فتح وحماس، ولماذا لا تعقد هذه اللقاءات على أرض الوطن؟، وما الجديد الذي يمكن أن يجعلنا أكثر تفاؤلًا من المرات السابقة أو يجعلنا نتوقع حدوث تقدم وانفراج هذه المرة لم يتحقق في المرات السابقة؟
المتابع للشأن الفلسطيني يعي تمامًا أن عقد الانتخابات حاجة مُلحة بعد تردي الوضع السياسي على مختلف الأصعدة، وآخرها التطبيع العربي العلني والمجاني دون التنسيق مع الفلسطينيين، وخطر صفقة القرن والحقائق على الأرض فيما يخص القدس والاستيطان واللاجئين وخطط الضم ومصادرة الأراضي والسياسات العنصرية المتزايدة.
منذ ١٤ عامًا لم يشارك الفلسطينيون في الحياة السياسية عبر عملية الانتخاب، ومع تردي الوضع السياسي أدركت القيادة الفلسطينية أن خياراتها باتت قليلة جدًّا، وهذا ما دعا الرئيس أبا مازن لضيافة اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية.
فلا شك أن أحد السيناريوهات التي تقف وراء الاتصالات الحالية بين فتح وحماس هذه المرة، خاصة بعد التطبيع بين الإمارات و(إسرائيل) وإقامة علاقات دبلوماسية رسمية بين البلدين، هو إمكانية إيجاد بديل للسلطة الحالية التي تهيمن عليها حركة فتح، وأن البديل موجود ويقف رهن الإشارة، وأن (إسرائيل) ستعمل على تهيئة الأجواء لاستحضار ذلك بالقيام بإجراءات عسكرية على الأرض تؤدي إلى تقطيع أوصال الضفة وتقسيمها إلى مناطق منفصلة ومعزولة بعضها عن بعض، وتكثيف حملة الاعتقالات والمداهمات، وتقييد حركة وتنقل الناس بين هذه المناطق وتضييق الخناق عليهم، وتشديد الحصار الاقتصادي مع شح الموارد المالية للسلطة أو تجفيفها، ولا سيما بعد وقف الرواتب بضعة أشهر، ما سيؤدي إلى انهيار السلطة، وعندها يظهر البديل الذي سيقدم النقيض للناس متمثلًا في الانفراج والانتعاش الاقتصادي، وتدفق السيولة المالية وصرف الرواتب المتأخرة بالكامل، ما سيكون ضربة قاصمة لكل من فتح وحماس، وسير البديل الجديد في ركاب خطة القرن والتطبيع والانجراف مع تيار "الواقعية" والاستسلام العربي.
هذا السيناريو ليس مرعبًا فقط لحركة فتح، وإنما أيضًا حركة حماس تحسب له ألف حساب، ولذلك التقت مصالح فتح وحماس على ضرورة العمل معًا بشراكة متينة لمنع تحقق هذا السيناريو أي سيناريو البديل، لذا يتطلع كل فلسطيني إلى تسريع خطوات الوحدة وإنهاء الانقسام، لمواجهة التحديات والمؤامرات التي تحيط بالقضية من كل الجهات والجوانب؛ فالزمن أصبح كحد السيف، فإن لم تقطعه فإنه -لا شك- سيقطعك، وهذا ما لا نريده، لأن شعبنا سيدفع الثمن من دماء أبنائه، لأنه مصمم على إحقاق كامل حقوقه الوطنية الثابتة والساطعة كسطوع الشمس في وضح النهار، مهما بلغت التضحيات.