فلسطين أون لاين

قطاعات إسرائيلية تعلن "دولة داخل الدولة"

كشفت أزمة وباء كورونا عن ظواهر غريبة في المجتمع الإسرائيلي، ومنها أن مجموعة من القطاعات تعمل بمنطق انفصالي، ويسود الاغتراب والكراهية بينها، مع أن الإسرائيليين عاشوا هنا سنوات طويلة بمسمى دولة واحدة، وعلى مدى سنوات حاولوا إنشاء صورة متناغمة من فسيفسائهم الاجتماعية، رغم اختلافاتهم، حتى جاءت جائحة كورونا فحطمت كل شيء.

مرة أخرى كشفت كورونا أن الإسرائيليين ليسوا شعبًا واحدًا، بل أقرب إلى اتحاد مقسم لعدة ولايات، لكل منها حاكمها، دون مراعاة مصالح الفئات الأخرى بالضرورة، وأشارت الأزمة إلى أننا أمام كيان قائم على قطاعات سكانية يسودها الاغتراب والبغضاء، كل منها يعمل باستقلالية وانفصال، مع بوادر تحذيرية، مع اتساع رقعة الانقسام والكراهية والتحريض على لافتات ضخمة.

اللافت أنه بدلًا من إطفاء هذه الحرائق بين الإسرائيليين، ووضع حد لنقاط الانهيار في مجتمعهم، قد فضلت القيادة الإسرائيلية الحالية، عن سابق إصرار وترصد وتقصد، اتباع مسار شق المجتمع الإسرائيلي، لأنها استمدت قوتها من الانقسام الذي تصاعد، وتعمق، ونراه اليوم بأعراضه الكاملة.

كل إسرائيلي بات يشعر بحدة التفكك والصدع اللذين يعمان دولة الاحتلال، وبعد أن كان مصحوبًا في البداية بغضب كبير من بعض القطاعات، في الأيام الأخيرة أضيف إليه مشاعر الحزن واليأس والخوف الحقيقي على مستقبل (إسرائيل)، وتحول إلى شعور بالغضب، بعد طغيان شعار "الحرب الأهلية" التي حذر منها كثيرون، وقد باتت موجودة هنا بالفعل.

هذه حرب قطاعية، يقاتل الجميع من أجل الأشياء التي تهمهم، كل قطاع يحارب القرارات التي تضر به، وليس من منطلق الاهتمام الحقيقي بالمجتمع الإسرائيلي ككل، اختار الإسرائيليون حربهم الداخلية، صحيح أنها لا تزال هادئة نسبيًّا، لكنها تتصاعد يوميًّا دون عوائق، عندما لا يُظهر الأفق قيادة لديها القوة أو الرغبة في إيقاف ما يصفونه بالجنون.

كاتب السطور والقراء الكرام باتوا يشهدون على شاشات التلفزة الإسرائيلية أعمال عنف بين المتظاهرين اليمينيين واليساريين، وبين المتظاهرين أنفسهم، وبين الشرطة والمتظاهرين، وبين الشرطة والحريديم، أما سواهم من الإسرائيليين فيجدون صعوبة كبيرة بالعثور على بارقة أمل، لأن معظم القطاعات تعيش حالة انفصال كامل عن (إسرائيل)، وباتت تشكل "دولة داخل الدولة"، وأصبحت قطاعات يهودية بأكملها مجتمعات مستقلة خارج الحدود.

يعترف الإسرائيليون أن كورونا كانت مجرد محفز لعمليات الانقسام التي تحدث داخل اليهود أنفسهم، وأدت تجلياتها إلى اندلاع هذه الحرب القطاعية التي تنهار بسببها مرونة الإسرائيليين الاجتماعية، مع غياب قيادة إسرائيلية قادرة على إيجاد نقاط اتصال قوية بين الإسرائيليين، رغم كل الاختلافات، وإذا لم يتغير شيء ما قريبًا، فقد يستيقظون في بضع سنوات على واقع يعلن فيه بعض اليهود استقلالية قطاعية عن باقي اليهود.