فلسطين أون لاين

هل تؤثر الإهانة اللفظية في المستقبل النفسي للطفل؟

...
زينب أبو سفاقة
زينب أبو سفاقة- اختصاصية علم نفس

"أنت غبي"، "الله يوخدك ويريحنا منك ليس وراءك إلا المشاكل"، "أنت لا تفهم"، "متخلف"، "كذّاب"، "قليل أدب"، "فاشل، عمرك ما بتفلح"، "مخادع" ... وغيرها الكثير من الشتائم والدعوات واللعنات التي يرددها الوالدان دون كلل على مسامع أطفالهم، وغالبًا ما يرافقها صراخ حاد يرعب الطفل ويخيفه، أو انتقاد لاذع يقلل من شأنه ويشعره بالنقص.

كثير من الآباء يظنون أن هذه هي الطريقة المثلى لتربية الأولاد، جريًا على طريقة آبائهم في التربية: "أربي ابني مثلما رباني أبي وأمي"، ولكن السبب الحقيقي الذي يدفع الآباء إلى اتباع هذا النهج هو اعتقادهم أنه لا ضير في ترديد هذه الألفاظ، فهو لم يضرب ابنه، وهي لم تؤذه، إنما هي مجرد كلمات عابرة يمكنها أن تجعل الطفل يخاف صراخ والديه وغضبهما فتدفعه إلى تقويم سلوكه، وتبعده عن ارتكاب الحماقات، وتجنبه سوء الأدب، فيرتقي الطفل إلى مستوى توقعاتهما منه ويصبح مؤدبًا، ولا ننسى أن استخدام هذا السيل من الإهانات اللفظية يعده كثيرون سبيلًا للتخفيف من الضغط النفسي الواقع عليهم من تربية الأبناء وضغوط الحياة، فضلًا عن اتخاذه صمامًا لتهدئة مارد الغضب الذي يضطرب داخلهم.

ولكن ما لا يعلمه الآباء أن هذا الأسلوب لا يؤتي إلا ثمارًا فاسدة، فالعنف لا يولد إلا عنفًا، وغالبًا ما تجد الأطفال الذين يتصرفون بعنف ويلقون بالشتائم القذرة والنعوت السيئة على زملائهم في المدرسة والشارع وإخوتهم في البيت، ويتنمرون ويتبلطجون، هم في الأساس يعيشون في بيئة زاخرة بهذه الألفاظ والمعاملة القاسية ذاتها؛ لأن الآباء قدوة ومثل أعلى أمام الأبناء.

أضف إلى ذلك أن عقل الطفل يبدأ الإيمان بهذه الصفات التي تُلقى إليه وتتردد على مسامعه دون اكتراث، حتى تصبح هذه الصفات مترسخة في العقل اللاواعي لدى الطفل، ملازمة له، فيميل لأن يصبح غبيًّا وكاذبًا وأحمقًا، وإن لم يكن كذلك في حقيقة الأمر.

وتؤكد الدراسات والأبحاث أن العنف اللفظي أشد إيذاء من العنف الجسدي، إذ إن جروح الإهانة اللفظية لا تندمل بمرور الأيام، بل تكبر وتترسخ جذورها عميقًا في النفس، ويتطاول الشعور بالألم منها، مسببةً مشاعر دائمة بالنقص وانعدام الثقة بالذات، وقد تكون سببًا لإصابة الطفل بالاكتئاب إذا ترافقت مع أسباب أخرى كالمشاكل بين الأبوين، وفقدان الدعم الأسري، إضافةً إلى الشعور بالتهميش الذي قد يدفع الطفل لكره والديه ومحيطه، أو يدفعه للجوء إلى سلوكيات عنيفة، والميل إلى إيذاء من هم أصغر سنًّا منه أو إيذاء الحيوانات والأشجار وتكسير الأشياء المحيطة به، ولو سألنا أنفسنا لماذا؟، فسنستغرب أن يكون الجواب: محاولة منه للفت الانتباه!

وقد يتطور سلوك العنف ذاك في سنوات المراهقة، بحيث يوجه إلى الذات على شكل "إيذاء النفس غير الانتحاري" في محاولة للتخفيف من المشاعر السلبية المكبوتة في الأعماق.

وعادة ما تظهر معاناة الطفل من العنف اللفظي على صور صعوبة تكوين علاقات مع الآخرين، وصعوبة التعاطف معهم، وكما يقال: "فاقد الشيء لا يعطيه".

وبذلك إن الإهانة اللفظية للطفل في صغره يمكنها أن تؤدي به إلى مشاكل اجتماعية ونفسية خطيرة في مراحل حياته اللاحقة.

وختامًا، أنصح باتخاذ التغذية النفسية الإيجابية سبيلًا لتشجيع الطفل وتحفيزه للقيام بما هو أفضل، فهي تنمي رغبة الطفل في التعلم والنجاح، وتساعده على تكوين شخصية سليمة.

فبدلًا من: "أنت غبي لن تنجح في فعل شيء" لتكن: "أنت ذكي، تستطيع فعل ذلك".