انتهت لقاءات المصالحة الفلسطينية التي وضعت مسودة تتضمن أربعة ملفات مهمة، وهي: الانتخابات الشاملة، التوافق على لجان القيادة الوطنية الموحدة في الداخل والخارج، ترتيب البيت الفلسطيني، وعلى رأس هذا البيت إصلاح هياكل ومؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، الأمناء العامون للفصائل الفلسطينية هم المرجعية والضامن لتنفيذ أي اتفاق، مع تحديد موعد الأول من أكتوبر من هذا العام موعداً لعقد مؤتمر الأمناء العامين لبدء حوار شامل من أجل إقرار المسودة ووضع خارطة طريق للتنفيذ.
اليوم هو الثاني عشر من أكتوبر، لم يعقد مؤتمر الأمناء العامين، فيا ترى هل ذهبت لقاءات المصالحة أدراج الرياح... أم أننا على موعد مع جولة جديدة للمصالحة الفلسطينية ترعاها القاهرة...؟ وهل خيار القائمة المشتركة بين حركتي فتح وحماس هو الخيار الأمثل...؟
أولاً: أين ذهبت المصالحة...؟
المصالحة ثابت بين الإرادة لتحقيقها متغيرًا، والإرادة الفلسطينية يضبطها إيقاع المحاور والأحلاف، وجماعات المصالح، والدور الصهيوني والأمريكي، وهو ما يفسر أن التصريحات لكافة الأطراف الفلسطينية تدعم المصالحة، بينما على الأرض تغيب الإرادة والقدرة على تحقيقها، حيث بات من الواضح حجم الضغوط المعرقلة للمصالحة التي يريدها شعبنا، مصالحة تعيد الاعتبار لكافة المؤسسات الوطنية من بوابة الانتخابات، مصالحة تقوم على دعم استراتيجية لمقاومة الاحتلال بكافة أشكال المقاومة، لأن الأصل في مواجهة الاحتلال هو الاشتباك، هذه المصالحة تلقى اعتراضاً من أطراف فلسطينية وإسرائيلية واقليمية ودولية، وهو ما عكسه تصريحات لقادة من حركة فتح حول تعرض القيادة الفلسطينية لضغوط هائلة لمنع هذا المسار من التقدم.
ثانياً: رعاية القاهرة للمصالحة.
مصر هي الراعي الحصري للمصالحة الفلسطينية، وفي تقديري لأسباب عديدة ستحرص القيادات الفلسطينية من كافة الفصائل على أن تكون القاهرة هي الراعي للحوار الوطني الشامل الذي سيخرج بوثيقة جديدة تعمل على انجاز الانتخابات وتذلل العقبات التي تعترضها، وبعد الانتخابات تبدأ مرحلة جديدة بموجبها سيتم بناء نظام سياسي جديد يستوعب كافة المتغيرات، وسيكون لحركة حماس مكان ضمن هذا النظام وهو ما سيفسد المخطط الذي تعمل عليه أطراف عديدة ببقاء حالة الانقسام والحصار الذي في النهاية سيضع القيادة الفلسطينية أمام خيارين:
الأول: التدجين للقبول بصفقة القرن.
الثاني: استبدال القيادة الحالية بقيادة جديدة قادرة على توفير الرواتب والوظائف، مقابل القبول بصفقة القرن.
عليه فإن المسار الحالي هو ممر إجباري للانقلاب على المخطط الدولي لإنهاء القضية الفلسطينية، وهو تجديد الشرعية السياسية للجميع، والتوافق على استراتيجية وطنية تؤسس لانتفاضة شعبية.
ثالثاً: خيار القائمة المشتركة بين حركتي فتح وحماس.
لا شك أن هذا الخيار أثار جدلاً في الحالة الفلسطينية، فهناك من انتقده، ورأى فيه أمه يمثل حالة استهبال سياسي على الشعب الفلسطيني، وهروب من تداعيات المرحلة، بينما يرى آخرون أن هذا الخيار هو الأمثل، فالحالة الفلسطينية في ظل التحديات الراهنة وبعد أربعة عشر عاماً من الانقسام الأفقي والرأسي في النظام السياسي الفلسطيني، ومع انطلاق قطار التطبيع فإن الانتخابات ينبغي أن تقوم على أسس جديدة تنسجم والمرحلة الراهنة تقوم على المشاركة لا المغالبة، وأفضل طريقة لتحقيق ذلك هو دمج بين الشرعية التمثيلية والتوافقية بين أكبر فصيلين سياسيين، وأنا مع هذا التوجه، فالمرحلة تتطلب برنامجًا سياسيًا يهدف بالدرجة الأساسية الحفاظ على مشروعنا الوطني، وإغلاق الباب أمام فرض أي قيادة تأتي عبر البراشوت الأمريكي.
الخلاصة: تتعرض القضية الفلسطينية لأخطر مرحلة تصفية عبر التاريخ، وعليه ينبغي تجاوز كل أشكال الجدل والتفرغ الآن لترتيب أوراقنا بما يعزز من مساري الوحدة الوطنية والانتخابات، وبعد ذلك تبدأ القيادة الجديدة في رسم ملامح الاستراتيجية الوطنية التي تقوم على مبدأ الاشتباك مع الاحتلال، وهذا هو الخيار الأمثل لمواجهة الاحتلال والتطبيع وصفقة القرن.