في ندوة عن الانتخابات الفلسطينية القادمة عبّر الجميع عن استيائهم من التوقيت وتحدّثوا عن أمور الإصلاحات الشاملة التي يجب أن تسبق هذه الانتخابات وأن الاتفاق على انتخابات فلسطينية كناتج لاجتماع أمناء الفصائل وما تبعه من حوارات بين أكبر فصيلين ما هو إلا ذرّ للرماد في العيون أو قفز في الهواء وحرق للمراحل .... الخ، لم نبق شيئا للتشاؤم إذ ما عسانا القول لو كان الامر إدارة الظهر للانتخابات ورفض إجرائها؟؟
أذكر قصة يجوز لنا أن نذكرها بهذه المناسبة حيث كان هناك رجل في يوم ماطر وعاصف ينتظر سيارة، بعد انتظار طويل وبعد أن أكل البرد مفاصله وصلت سيارة مُطفأة الانارة، تسير وتتوقف، توقّفت بالقرب منه فركب جوار السائق، أغلق الباب فانطلقت السيارة ولما أراد أن يلقي التحية على السائق لم يجد سائقا فدبّ الهلع في قلبه وزادت مفاصله ارتجافا، ومما ضاعف من هلعه أيضا أن هناك يدا كانت تمتد للمقود من الخارج فتحركه يمينا ويسارا وتضبط السيارة على جادّة الطريق، جاءته فرصة للهرب حيث خفّت سرعة السيارة ففتح الباب وتدحرج من السيارة، ولّى هاربا ولاذ الى مقهى ليجد الدفء والأمان وإزالة ما به من هلع واتحاف السامعين بحديث الجانّ. دقائق ثم دخل رجلان فرمقاه حيث قال أحدهما لصاحبه: هذا المعتوه الذي ركب السيّارة وهرب بدل أن يضع يده مع أيدينا ونحن نحاول تعشيق السيّارة.
قضيتنا الفلسطينية هي هذه السيّارة التي نال منها الانقسام والعطب كلّ نيل، ثم جاء رجلان مدعومان من فصيليهما اللذين يشكلان الوزن الأكبر في العمل السياسي الفلسطيني، واتفقا على ضرورة تعشيق هذه السيارة بعد ان انتابتهما عواصف عاتية غير مسبوقة والتي لا تريد أن تبقي أو تذر إن لم تنطلق السيارة، وارتأيا أن الانتخابات هي الشرارة التي تشعل الوقود في محرّك السيّارة وعندما يشتغل المحرّك فإن الإضاءة تشتعل والتدفئة تشتغل وسيجري بعد ذلك وبعد النجاة من عمق العاصفة متابعة كلّ أنواع العطل والخلل لتسير السيارة الى حيث الأمان وسلامة الركّاب والاستمرار في العمل لمواجهة من يريد للسيارة أن تبقى مكانها أو أن تهوي في وادٍ سحيق لا مردّ لها منه بعد ذلك أبدا.
وهذا العمل بديله الجلوس في المقهى وانتظار الفرج والهرب بسبب ظنون واوهام فترة الخراب والانقسام وردح الكلام الذي لا فائدة منه الا تسجيل المواقف والخسارة على ارض الواقع لصالح مشاريع الاحتلال والاستيطان واستبدال القيادات واللعب في الأوراق الفلسطينية من قبل الصهاينة والاعراب، فتح الباب والهرب سهل المنال ولكن من يمدّ اليد ولو بدفع العربة خطوة أو سنتيمترا واحدا الى الامام بحاجة الى عزم من أراد بهذه السيّارة( القضية) خيرا أو أراد لها برّ الأمان ، ومن أشدّ خطرا وسوءا الدفع الى الامام أم المراوحة في ذات المكان؟ ولو قيل إننا جرّبنا سابقا ودفعنا ولم تشتغل السيّارة ووجدت من يضع العصيّ في الدواليب، فهل هذا دليل على أنها لن تشتغل أبدا وأن المزيد من المحاولات لن يعطيها الحياة؟ كم من الازمات السياسية عند كل الشعوب وعلى مرّ التاريخ فشلت محاولات ثم جاءت محاولة صادقة فنجحت؟ خاصة عند اشتداد العاصفة: (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا انهم قد كذبوا جاءهم نصرنا..) القرآن الكريم يخبرنا ان رسلا يصلون الى حافة اليأس ثم يأتي الفرج، هذه أصلا سنّة الحياة إذا أُغلقت فُرجت، يعقوب عليه السلام يدفع أبناءه بعد ان بلغ منهم اليأس كلّ مبلغ:(ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون).
على يد من؟ وكيف يأتي الفرج؟ وما هو المطلوب؟ أمامنا فرصة تاريخية لإنهاء الانقسام وكل تداعياته والعمل على بناء الثقة وإعادة الاعتبار الى القضية الفلسطينية من جديد، نبدأ بتجديد الشرعيات عبر الانتخابات ثم نمضي قدما لترتيب قواعد اشتباك جديدة مع المحتلّ الذي بلغت غطرسته كلّ مبلغ على برنامج وطني يجسد حالة الوفاق الوطني والشراكة السياسية بعقد سياسي يتوافق عليه الفلسطينيون، الانتخابات حلقة من حلقات التماسك الاجتماعي والسياسي الفلسطيني الداخلي وإعادة كسب الحلفاء والمناصرين للقضية على مستوى العالم أجمع وقطع الطريق على كل من يريد أن يفرض قيادة بديلة للشعب الفلسطيني تكون جزءا من المنظومة الصهيونية والعرب المتصهينين الذين يريدون شطب هذه القضية، وتحويل الفلسطينيين إلى مجرّد قطيع يُساق الى الذبح بما يشبع غريزة التوحش التي قام عليها مشروعهم على أرض فلسطين.