فلسطين أون لاين

بين طالباتها.. هديل المصري تنال لقب "المعلمة المتميزة"

...
غزة- يحيى اليعقوبي:

لا تقف أمام طالباتها إلا وفي يدها حجر "نرد" أو ساعة "رملية"، أو خلفها لوحة مضيئة على لوح الفصل، تزين فصلها وكأنك ذاهب إلى متحف، توزع طلبتها بتناسق وتقسمهن إلى مجموعات، جعلت هذه المدرِّسة طالباتها يعشقن "الرياضيات" وقربتها إلى واقعهن، تقدم الشرح بطريقة متجددة بأفكارها وأسلوبها ونمطها وأدواتها مبحرة في عالم "الإبداع"؛ وفي التعليم الإلكتروني لجأت إلى تطبيقات الألعاب كي تثري المادة العلمية، تحمل الرياضيات على سفينة التميز كي ترسو بالطلبة على شواطئ النجاح والتفوق.

في زيارتك لفصل المدرِّسة هديل المصري تجذبك الأوراق والأشكال التي تزين سقف وجدران الصف، لا تتخيل أنك في الصف الثاني عشر (التوجيهي)، هذا الجمال، لم يبقَ حبيس فصلها بل شاركت في تزيين مداخل مدرسة الأوقاف الشرعية بمحافظة خان يونس وكل ممراتها حتى أضفت رونقًا جميلًا على المدرسة، فاستحقت لقب "المعلمة المتميزة" هكذا تلقب بين طالباتها.

"يمثل لي يوم المعلم الفلسطيني شيئًا كبيرًا يمس رسالتي التعليمية الشريفة والأمانة التي أحملها على عاتقي، بأن أوصل الرسالة التعليمة بأفضل صورة، لكني أجعل كل يوم يومًا للمعلم بأن أحمل الرسالة".. تستهل حديثها لصحيفة "فلسطين".

الربط بالواقع المحسوس

ولأن الظاهر للكثيرين أن الرياضيات مادة معقدة، مجردة؛ فقد كانت من إحدى المواد التعليمية "الصعبة"، إلا أن المدرسة هديل جعلتها شيئًا آخر، التفاصيل هنا: "حينما أقدم المعلومة أربطها بواقعهنَّ المحسوس ثم أنتقل للأرقام، أنتقل للواقع وللأشياء التي تمس واقع الطالبة وتراها بعينها، فمثلًا في شرح متوازي الأضلاع أستخدم أوراقًا توضح كيف يصبح الشكل مربعًا ثم مستطيلًا ومتوازياً، ثم كيفية احتساب المساحة، أو درس "متوسط التغير" أوضح كيف يحدث التغير من خلال طول الإنسان واختلافه من 100 سم إلى 170 سم، مما يشعر أن المادة قريبة إلى واقعه".

صممت المدرسة هديل جهازًا يحاكي شكل الحاسوب (لاب توب) من الورق المقوى وورق الفوم والإسفنج والزجاج البلاستيكي للشاشة، لكن باختلاف طريقة الاستخدام، فجعلت لوحة المفاتيح، لوحة يدون الطالب عليها الإجابة وبجواره قلم وممحاة؛ أما شاشة الحاسوب فتوضع فيها ورقة بها سؤال من خلفها ضوء يعمل بزر تشغيل، ويمكن سحب الورقة ووضع سؤال آخر، بجوار الحاسوب ساعة رملية صممتها لاحتساب وقت المنافسة.

صممت تسع نسخ من هذا الحاسوب وتستخدمها في عمل مسابقات بين مجموعات الفصل الواحد أو فصول المدرسة في مبحث الرياضيات، "هذا الحاسوب يشعر الطالب أنه في جوِّ منافسة، مع وجود مؤقت لتأكيد أهمية التزام الوقت".. وهكذا استطاعت إثراء العملية التعليمية.

الألعاب في التعليم الإلكتروني

جائحة كورونا فرضت على المعلمين تغيير نمط التعليم والانتقال للتعليم الإلكتروني، المدرِّسة هديل التي كانت تعتمد سابقًا على عرض شرح الدروس ببرامج "بوربوينت" وجهاز LCD لم تجد صعوبة في هذا الانتقال، بل انتقلت معها مهاراتها: "التعليم عن بعد أجبرني على تنمية مهاراتي، واستخدمت تطبيقات الألعاب في التعليم الإلكتروني مثل تطبيق "كاهوت"، والذي يخدم أسئلة التفوق بالمستوى العالي، فيعرض الأسئلة على شكل لعبة مسابقة مع أصوات مؤثرات وإشارات ضوئية ووقت لاحتساب الفائز بإجابة صحيحة وأقل فترة زمنية".

"تشارك المتسابقات ومع انتهاء اللعبة يعطي التطبيق إحصائية عن الإجابات ووقت الإجابة والفائز، وأقوم بتكريمها بشهادة إلكترونية، ما يعطي جوًّا للمنافسة يحفز الطالبة للفوز".

أنشأت المدرسة هديل قناتين على موقع "يوتيوب" سجلت فيها حلقات تعليمية للطلبة، تقول: "شرحت الدروس بطريقة مختلفة بما يخدم الدرس، تارة استخدمت القلم والألوان، أو اللوح الصغير كأن الطالب بالفصل، أو الالتقاء معهم بالصوت والصورة، أو الشرح على برنامج "بوربوينت".

فائدة الألعاب في التعليم؟.. على الرغم من أن الفئة التي تدرسها من طلبة الثاني عشر (توجيهي) فإن للألعاب أهمية كبيرة "تعطي دافعية للطالب بالمبادرة وحل الأنشطة والأسئلة، فالتعليم النشط يجعل الطالب محور العملية التعليمة، طالباتي يقُلن لي مرارًا: صرنا نحس الرياضيات حاجة تانية" تجيب.

"هناك سر!.. أتدري"، يبتسم صوت المدرسة بعفوية: "علاقتك مع الطلاب لازم تكون ذكية، الطالب بده يحس بالمدرس، المساند والموجه، الشغلة التانية المادة تعتك بتقربها لواقع الطالب ما تخليها مجرد شرح وسرد وإلقاء، وتستخدم الأساليب القديمة.. فالشرح موجود بكل مكان واللي مش موجود إنك تعطيه بشكل آخر".

وقفة المعلم أمام الطالب

لا تستخدم المدرسة هديل الألعاب في كل حصة تعليمية، بل تجعل لها رونقًا خاصًّا يومًا في الأسبوع، لتغيير أجواء التعليم، ومع استخدامها للوسائل التعليمة الوجاهية والإلكترونية أدركت هذا الشيء: "يبقى وقوف المعلم أمام الطلبة له شيء مميز، فالتعليم ليس دروسًا فقط بل قيم يغرسها المدرسة لدى الطلاب، رسالة مليئة بالأخلاق".

كأم لديها ثلاثة أطفال مطلوب منها متابعة تعليمهم، ولكونها مدرسة مادة الرياضيات لطلبة الثانوية العامة بفرعيها العلمي والأدبي، فإن هذا يلقي عبئًا إضافيًّا عليها، تزيد: "أنظم وقتي بالورقة والقلم كل صباح، فأضع مخططًا لإيصال الدروس وتسجيلها، ثم أنشر اختبارات على الصف الافتراضي بموقع روافد أو نشاطات بيتية، فيصِل النشاط على شكل صورة وأقوم بالتصحيح بالقلم الإلكتروني وإرجاعه للطبلة".

الصف الافتراضي بالنسبة لها يقدم مميزات متعددة فهو يربط الطلبة بالطلاب، ويتيح للمدرس نشر مادة تعليمية جديدة سواء مقروءة أو مسموعة أو مرئية.

خلال مسيرتها التعليمة كانت لها بصمة في مشروع "التعلم بعد المدرسة"، والذي ضم فئة من الطلاب الذين يحتاجون إلى معالجة ضعف تحصيلهم الدراسي، تستذكر: "كان يأتينا طلبة رسبوا بالرياضيات، فغيرت طريقة التعليم واستخدمت طريقة تقريب المادة لواقعهم، والعديد منهم حصلوا على معدل 90%، وحصلت على المركز الأول على مستوى القطاع في رفع التحصيل العلمي لطلاب الفصل الخامس بأسلوب قائم على التعلم النشط والألعاب والجو المرح".

293ec1c0-b99a-4e49-b15f-21dd2e19076b.jpg