فلسطين أون لاين

تطبيقه يصون المجتمع.. هذا مفهوم الأخوة في الإسلام

...
غزة -هدى الدلو:

الأخوة درجة من درجات القرابة والدم، تجعل للمرء على أخيه حقوقًا وواجبات، لكن الأخوة في الإسلام جاءت بمفاهيم غير تقليدية وبعلاقات واسعة متحررة من رباط النسب والدم موثوقة برباط أهم وأعظم، وهو الرباط الإلهي، جعلت الغني في الإسلام أخًا للفقير دون تكبر، والأبيض أخا الأسود، وأصبح الميثاق بينهم ميثاق المحبة في الله.

عضو رابطة علماء فلسطين الدكتور جودت المظلوم يوضح أن الله (سبحانه وتعالى) أقر الأخوة بين المؤمنين في الإسلام، مصداقًا لقوله: "إنما المؤمنون إخوة" (الحجرات: 10)، فإذا كانت خالصة لله فإنها توجب لهم الجنة لقوله (عليه الصلاة والسلام): "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: ..."، منهم "رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه".

ويبين المظلوم لصحيفة "فلسطين" أن الأخوة في الإسلام رسخت مفاهيم اجتماعية وإنسانية، ما يزال ينادي بها، فكانت دولة الإسلام هي الراعي الحق للنموذج العملي والميداني الذي طبق هذه القيم والمفاهيم بشكل كبير، وكانت هذه الرسالة الأخلاقية للإنسانية مقاومة ووقاية من الأمراض التي يعانيها الفرد والجماعة عبر الأزمنة.

ويشير إلى أن الأخوة في الإسلام تضمن الوقاية من الأمراض الداخلية التي تعتري بعضًا كالبغض والحسد والكره وغيرها التي تنعكس على المجتمع، فأقل درجات الأخوة في الإسلام تبدأ بصفاء النية وسلامة القلب من المسلم تجاه أخيه، وتنتهي بأعلى درجات العطاء والمنح.

ويلفت المظلوم إلى أن الأخوة تتضمن أن يحب المسلم لأخيه ما يحب لنفسه، وأن يكون في عونه دائمًا، لأن الله سيكون له سندًا وعونًا، لكونها توجب سلامة الصدر ونقاءه من الغل والحسد بالصور التي قد تنعكس على المجتمعات التي تنتشر فيها وتدعوها للتراجع، وقيل: "يا رسول الله أي الناس أفضل؟"، قال: "كل مخموم القلب صدوق اللسان"، قالوا: "صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب؟"، قال: "التقي النقي لا إثم فيه ولا بغض ولا غل ولا حسد".

ويقول: "المجتمع الصالح الأول ضرب أروع الأمثلة في تحقيق مفهوم الأخوة في الله، كَانَ عُمَرُ بنُ الْخَطَّابِ يَذْكُرُ الأَخَ مِنْ إِخْوَانِهِ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ فَيَقُولُ: "يَا طُولَهَا مِنْ لَيْلَةٍ!"، فَإِذَا صَلَّى الْمَكْتُوبَةَ غَدَا إِلَيْهِ فَاعْتَنَقَهُ، وخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: "أَنْتُمْ جَلَاءُ حُزْنِي"، يا للأسف!، الآن أصبحت هذه المعادلة معكوسة بسبب تغير الزمان وتغير المفاهيم وانتكاس الفطرة وانقلاب الموازين، حتى أصبح الهمّ الأوحد مُنصبًا على المقياس المادي والمنفعة الشخصية العاجلة".

الرحمة والتعاطف

بدوره يقول العضو الاستشاري في رابطة علماء فلسطين أحمد زمارة: "إن المجتمع الإسلامي مجتمع يختلف عن غيره، لأنه مجتمع تسمو فيه رابطة الأخوة بين أبنائه، فهي من أجلّ أنعم الله على عباده المؤمنين، إذ قال (سبحانه): "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ" (آل عمران: 103)".

ويقول زمارة لصحيفة "فلسطين": "إن هذه النعمة منحة ربانية عظيمة، كيف لا وهي سبيل لدخول الجنة؟!، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "من عاد مريضًا أو زار أخاه في الله ناداه مناد أن طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلًا".

ويبين أن الأخوة في الله تنجي من أهوال يوم القيامة، قال النبي (صلى الله عليه وسلم): "إن الله (تعالى) يقول يوم القيامة: (أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهـم بظلي يوم لا ظل إلا ظلي)".

وينبه إلى أن الأخوة في الإسلام كانت أولى خطوات بناء المجتمع الاسلامي والدولة في المدينة المنورة، آخى بين المهاجرين والأنصار، فجمعهم وآخي بينهم في إخاء ذي رباط فريد ظهرت فيه كل معاني الحب والرحمة والود والتعاطف.

ويضيف زمارة: "إن الأخوة ليست كلمات تقال وانتهى الأمر، بل لها حقوق يجب أن تؤدي فيما بين الإخوان، وقد أرشد الرسول الكريم إلى وسائل تعميق هذه الصلة، منها: عن المقدام بن معد يكرب عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: (إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه أحبه)".

ومن وسائل تعميق الأخوة أيضًا بين الإخوان: عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "حق المسلم على المسلم ست"، قيل: "ما هن يا رسول الله؟"، قال: "إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له …".