يتزامن إحياء الإسرائيليين هذا العام الذكرى السنويةَ لهزيمتهم الكاسحة في حرب 1973، مع جملة من التطورات الداخلية التي تحمل المعاني ذاتها من الإخفاق والفشل، لعل أهمها تفشي كورونا بمعدلات كارثية، والمظاهرات المتصاعدة ضد نتنياهو، والمطالبات بإسقاطه.
هذه الأحداث مجتمعة دفعت العديد من المحافل الإسرائيلية للحديث بملء الفم، تصريحا وليس تلميحا، أن "الدولة" تنهار أمام أعينهم، والحكومة لا تعرف كيف تدير الأزمة، والانفجار الحقيقي مسألة وقت فقط، ولعل فشل حرب 1973 قبل 47 عاما يعود بذاته اليوم مع الإخفاق الذي يواجهونه أمام كورونا، ولعل قاسمهما المشترك أن "إسرائيل" على شفا كارثة.
الحقيقة المروعة التي تعيشها "إسرائيل" أن رئيس وزرائها المتهم بفساد خطر، يقوي حكمه بكومة من العبيد المتخلين عن شخصيتهم طواعية من أجله، ويستمر بأخذ غسيله الوسخ لينظفه في واشنطن بسبب بخله، وإذا تم تشكيل لجنة تحقيق مستقبلا، فسيتحمل شركاؤه جزءًا كبيرًا من اللوم، لأنهم مسؤولون عن تقصيره.
شركاء نتنياهو تجندوا في حكومة طوارئ لمحاربة كورونا، لكنهم متعاونون كاملون معه للتهرب من المحاكمة، فقط ما يهمهم هو البقاء في مناصبهم، والنتيجة أنهم يعيشون حالة من الهلوسة التي لا حدود لها بسبب حكم نتنياهو الفاسد، الذي يقوم مستشاروه بتسميم وسائل الإعلام الرقمية بافتراءات ملفقة، وكأن الأكاذيب القذرة باتت أسلوب حياة في "إسرائيل".
كل ذلك يشير، وفق قناعات واسعة من الإسرائيليين أنفسهم، أن تمردهم على حكومتهم الفاسدة والفوضوية ليس سوى مسألة وقت، لأنه ليس لها إستراتيجية أزمة سوى وقف التظاهرات ضد نتنياهو، التي تذكرهم بما حصل عشية سقوط جدار برلين، لأنه يكرس طاقته ووقته لجهود يائسة، لا يمكن تصورها، لوقف المظاهرات ضده، مع أننا نقترب من أحداث انتفاضة أهلية، والجماهير الإسرائيلية تشعر أنه ليس لديها ما تخسره، لأنها فقدت الثقة في السلطات والمؤسسات، وتدرك أنها إذا لم تقف للقتال، فلن يقوم أحد بذلك من أجلها.
تبدو طاقة الإسرائيليين مستعرة وهائلة في الشوارع والمنازل، نشهد أجواء من أيام التمرد، وينشغل نتنياهو في وقف التظاهرات الاحتجاجية بدلاً من إدارة الأزمة لمواجهة كورونا، واتخاذ قرارات جادة، بدلاً من تحمل المسؤولية، ويلقي خطابات شكلت رقما قياسيا جديدا من الوقاحة والتعتيم.
تواجه "إسرائيل" اليوم واحدة من أسوأ الأزمات في تاريخها، لم ينهر الاقتصاد فحسب، بل إن الوباء آخذ في الارتفاع، والمنظومة الحكومية آخذة في التآكل، وفقد الجمهور ثقته بالمسؤولين، وبات الإسرائيليون أكثر انقسامًا من أي وقت مضى، وممزقون من القلق العميق والحقيقي الذي يلفهم، لأن الطريق الذي يسيرون فيه قد يؤدي لكارثة، والحرب الأهلية آخر شيء يحتاجون إليه الآن.