هالني حجم اعتماد وسائل الإعلام العربية بأنواعها المرئي والمسموع والمقروء والإلكتروني على مصادر ليست عربية، ولا تعبر عن طموح وآمال شعوبنا التي ما زالت تعاني ذيول الاستعمار الغربي بأشكاله المختلفة.
فلا يمكن لأي دولة أن تدعي الاستقلال إذا كانت وسائلها الإعلامية تحت سيطرة أجنبية مباشرة وغير مباشرة، حيث تشير الخريطة الإعلامية الراهنة للعالم إلى أن التفاوت في السلطة والثراء بين شمال العالم وجنوبه كان له انعكاساته السلبية المباشرة على البنى الإعلامية والتدفق الإعلامي ما أدى إلى خلق أشكال متباينة من عدم المساواة والاختلال والتفاوت الإعلامي، كما ازداد اتساع الفجوة بين من يملكون المعلومات ووسائل نشرها وتوزيعها، وبين من يفتقرون إليها، وكذلك تأكد الاختلال بين من يصنعون ويبثون المعلومات وبين من يتلقونها.
فوكالات الأنباء الرئيسة في العالم والمسؤولة عن تغذية مختلف وسائل الإعلام الأخرى، ليس فيها وكالة واحدة تتبع العالم الثالث (آسيا – إفريقيا – أمريكا اللاتينية) إنما هي وكالات غربية خالصة، تعبر عن سياسة مالكيها، وتفرض المصطلحات والمسميات التي تخدم دولها.
وهذه السيطرة الإعلامية الغربية شبه الكاملة على تدفق الأخبار والمعلومات أدت إلى تشويه وتحريف للأحداث التي تقع في العالم الثالث، فهناك تركيز متعمد على الجوانب السلبية مثل الأزمات والانقلابات والحوادث المؤسفة التي تقع في هذه الدول، كما أن هناك تجاهلًا شبه متعمد لشتى النواحي الإيجابية والتطورات البناءة التي تقع في العالم الثالث.
فهناك تعليمات محددة يتلقاها مراسلو الوكالات العالمية للأنباء بشأن طريقة التغطية الإعلامية لأحداث العالم ككل، وفي الدول النامية بشكل خاص وكذلك أسلوب تحرير هذه الأحداث.
وهذا ما أكده أحد المسؤولين في وكالة رويتر البريطانية للأنباء، الذي كشف عن العديد من أشكال التحريف في صياغة الأنباء وتحريرها تقوم به وكالات الأنباء العالمية، وأشار إلى قضية الموضوعية في تقديم الخدمة الإعلامية وأكد أنها خدعة، وأن رويتر وجميع العاملين فيها يعبرون عن النظرة البريطانية في كل أنشطتها، كما أكد أن وكالات الأنباء الغربية أثبتت بصورة قاطعة أنها عنصر فعال تعتمد عليه المجتمعات الرأسمالية ولا يمكن لهذه الوسائل أن تتغاضى عن هدفها ووظيفتها في نشر أفكارها ومعتقداتها عن طريق نشر مغرض ومتحيز للحقائق التي اتفق عليها ورحبت بها المحافل الغربية كتفسير للأحداث، ومع ذلك فوسائل الإعلام الدولية لا تقوم من تلقاء نفسها بنشر وترويج أيديولوجيات الغرب، فهي تخضع لأشكال ومستويات عديدة من الرقابة الحكومية التي تتدخل في شؤونها وتحدد لها أجندتها من الأولويات.
وليس غريبًا عنا ما قامت به شبكة الأخبار الأمريكية بالكوابل الـCNN ووكالاتها العالمية التي أهمها الاسوشيتدبرس واليونيتدبرس في أثناء دخول الولايات المتحدة الحروب، حيث تخلت هذه الوسائل عن ثوب الموضوعية الذي كانت تدعيه ولبست ثوب الخارجية الأمريكية فأصبح المتابع لا يفرق بين ما يصدر عن هذه الوسائل، وبين ما يصدر عن وزارة الخارجية أو البنتاغون حول تعليقها على أحداث الحرب.
وهناك عدم تكافؤ في المصادر بين ما تعرف بالدول الصناعية المتقدمة وما يسمى بدول العالم الثالث، إذ تتركز المصادر الإعلامية من حيث الإنتاج والتوزيع بكل أشكاله في نفس الدول التي تحتكر مصادر القوة العسكرية والاقتصادية والسياسية.
وعدم التناسب واضح وصارخ بين توزيع مصادر الأنباء في العالم وعدد السكان أو احتياجات الشعوب، ومن الأمثلة على ذلك حجم استهلاك الورق للأغراض الإعلامية الذي يصل متوسط الاستهلاك للفرد سنويًا إلى حوالي 5 كجم، أما معدل استهلاك الفرد الأمريكي فيزيد على ستين كجم، ولا يزيد في المقابل استهلاك الفرد في دول العالم الثالث على كيلو ونصف من الورق فقط.
كما يظهر عدم التوازن في تدفق الأنباء بين الدول وخصوصًا بين الأقلية من الدول الغربية المسيطرة على وسائل الإعلام، والأكثرية من الدول النامية في العالم الثالث من الناحية الكمية يمكن تقديرها بالشكل التالي وهو أن التدفق الشامل للأنباء يأخذ طريقه من العالم الصناعي الذي يسكنه ثلث سكان العالم إلى العالم الثالث الذي يضم ثلثي السكان، وهو يصل على الأقل مائة مرة أكثر من اتجاهه من الدول النامية إلى الدول الغربية.
كما أن برامج التلفزيون تتبع اتجاهًا واحدًا بنفس الشكل السابق، ونفس الشيء بالنسبة لتكنولوجيا الإعلام التي تتركز أساسًا في الدول المتقدمة وليس أدل من ذلك على ملكية الأقمار الصناعية بغرض الاتصال التي يسيطر الغرب عليها سيطرة كاملة، عدا عن الملكية الخالصة لمنصات التواصل الاجتماعي.
هذا كله يصل بنا إلى استهلاك ثقافة الغير على حساب قيمنا وعاداتنا وهو ما يدعونا كدول عربية لها من الأموال والعقول ما يؤهلها لامتلاك هذه التكنولوجيا التي نرجو أن نصل إلى إنتاج ما نستهلكه منها فقط، لنضع أقدامنا على بداية طريق السيادة والحرية والاستقلال بعيدًا عن التبعية والاستعمار.