الأساليب التي تتفنّن إدارات السجون في استخدامها ضد الحركة الأسيرة لا تعد ولا تحصى، منها أساليب التعذيب النفسي والحرمان من الكانتينا وعدم تقديم العلاجات المناسبة للمرضى، الأمر الذي أدّى إلى استشهاد العديد منهم، وكان آخرهم الشهيد الأسير داود الخطيب، وغيرها من الأمور الأخرى كسوء الغذاء ومنع أهالي أسرى من زياراتهم بحجج واهية وما أنزل الله بها من سلطان.
فسياسة القمع ليست الأداة أو الأسلوب الوحيد الذي تستخدمه قوات قمع السجون التي هي عبارة عن باستيلات لا تصلح للعيش الآدمي، بل أيضاً تمارس ضدهم أساليب مختلفة تضاف إلى جملة التعذيب النفسي التي تمارسها ما تسمى إدارة مصلحة السجون، فبعد فترة طويلة حرمت الأسرى من الكانتينا فقد سمحت بإدخال الاموال كي يتزود الأسرى بما يحتاجونه.
فبعد 60 يوماً من الإضراب عن الطعام عام 1976 خضعت مصلحة السجون النازية لأهم مطلب على قائمة المطالب التي أعدّها أسرى المقاومة وسمحت فيه بإدخال (العدس) كوجبة رئيسة في طعام المعتقلين، كانت الكنتينة آنذاك عام 1994 لا تلبي أبسط حاجات المعتقل الأساسية، واعتمد الأسرى على المواد العينية التي كانت توفرها إدارة السجون –على قلتها– وتسمى (الأسبكاه) أما حبّة "الملبس" فكانت من الكماليات النادرة.
هي مقصف (دكان) يوفر للأسرى مشتريات عينية من المواد الغذائية والتنظيفية والقرطاسية وأدوات الاستعمال اليومي، وهو حقّ مكفول للأسرى وفق اتفاقيات جنيف لعام 1949، في فصلها الثاني من المادة 28، أما عند مصلحة السجون فهي واحدة من الامتيازات الممنوحة للسجناء والحصول عليها مرهون بسلوك السجين ويستطيع مدير السجن حرمان الأسير من شراء هذه الحاجيَات بالتوافق مع أحكام الحرمان، وبهذا تحوّلت الكنتينة من حقّ مكتسب إلى منّة وأداة ابتزاز للأسرى في العرف الصهيوني.
ولعل أسوأ ما تلجأ إليه هذه الإدارة هو العزل الانفرادي وتكون في زنازين بدون تهوية جيدة، ومساحاتها ضيقة للغاية، لدرجة لا يستطيع الأسير النوم الصحيح، إلى جانب أن الاضاءة تكون ساطعة في الليل والنهار والهدف منها إزعاج الأسير وجعله يعيش على أعصابه، في محاولة يائسة من إدارات السجون النيل من صموده ووطنيّته.
كما أن إدارة سجون الاحتلال التي تمثل بالطبع دولة الاحتلال بل هي أحد أجهزة سلطات الاحتلال والتي أنيطت بها مهمة قمع الحركة الأسيرة والحيلولة دون استقرارها حيث يتم نقل الأسرى بين الفينة والأخرى إلى أقسام وسجون أخرى عبر سيارات النقل المسماة «البوسطة» والتي يعاني منها الأسرى أشد معاناة.
هذه الممارسات ترقى لمستوى جرائم الحرب التي يعاقب عليها القانون الدولي الإنساني يتطلب من منظمات حقوق الانسان والتي تعنى بشؤون الحركة الأسيرة، مضاعفة جهودها على المستويات المحلية والإقليمية والدولية من أجل اطلاع العالم على هذه الانتهاكات التي تمارس بحق أسرى الحرية والذين هم طليعة شعبنا والذين حولوا سجون الاحتلال إلى مدارس وجامعات وأفشلوا مخططات الاحتلال من النيل منهم.
كنت أتمنى من الاجتماع الوطني الأخير الأمناء العامين للفصائل وأحزاب العمل الوطني والاسلامي الذي عقد بين رام الله وبيروت، أن يضعوا قضية الأسرى ضمن أولويات القضايا التي طرحت وبالتالي وضع برنامج أو خطة أو كما يحاول البعض تسميتها لدعم صمودهم وعدم تركهم لقمة سائغة للاحتلال، لذا لا بد من وجود خطوات عملية لدعم قضيتهم والوقوف معها، وفضح ممارسات الاحتلال العنصرية ضدهم.