فلسطين أون لاين

التعليم الإلكتروني والمعلم.. تحفيز للإبداع لا يخلو من التحديات

...
غزة -هدى الدلو:

لعل أبرز تغير تمر به العملية التعليمية هو اللجوء إلى التعليم الإلكتروني، الأمر الذي ألقى بظلاله على جميع الأطراف، الطالب والمعلم والعملية التعليمية، وكل منهم واجهته العديد من التحديات.

معلم اللغة الإنجليزية الحاصل على درجة الماجستير في الإدارة التربوية في مدرسة عمار بن ياسر الثانوية البنين، نبيل مسمح، يبين أن بعض المعلمين والمعلمات -خصوصًا كبار السن- بحاجة للمزيد من مهارات التعامل مع جهاز الحاسوب، بل بعضهم لا يمتلك هاتفًا حديثًا، وهذا بحد ذاته عائق.

وفي حديث مع صحيفة "فلسطين" يقول: "هناك ضعف في شبكات الإنترنت في عدد من مناطق قطاع غزة، وكثرة انقطاع التيار الكهربائي، ومعظم أجهزة الحاسوب أصبحت متهالكة وتعمل بصعوبة".

ويتابع: "لا أخفي عليك سرًّا أن المعلم عندما يريد الظهور عبر اليوتيوب أو الفيس بوك ببث مباشر فإنه بحاجة لإعداد جيد غير الذي كان خلال الحصص الوجاهية، فهو بحاجة إلى تحضير الدروس على نحو أكبر، وإن كان المعلم يمتلك خبرة مدة 20 عامًا، فهو الآن سيظهر أمام الملايين من المشاهدين لا فقط أمام ٣٠ أو ٤٠ طالبًا".

ويوضح مسمح أن العملية التعليمية تمشي حسب بعض الطلبة، فمنهم من هو مهتم، وبعضٌ آخر لا علم له بهذا الأمر، فضلًا عن أن المسألة تعتمد أيضًا على مدير المدرسة هل أصدر أي تعميم رسمي أو متابعة بإشارة رسمية للتعليم الإلكتروني أم لم يصدر، فلا تجد كل طاقم المدرسة متابعًا لهذا الأمر.

ويقول: "عندما نتحدث ونشجع التعليم الإلكتروني فهذا لا يعني أننا قد نستغني عن التعليم الوجاهي بالكامل، وإنما مصاحب له بشكل نسبي".

أما المعلمة منيرة النجار فتتحدث عن المشاكل التي واجهتها في تجربتها مع التعليم الإلكتروني، حيث انقطاع التيار الكهربائي، وضعف الإنترنت في قطاع غزة فلتحميل فيديو مدته ٢٠ دقيقة على اليوتيوب تحتاج إلى أكثر من ٨ ساعات، وعدم التعامل المسبق مع منصات التعليم عن بعد أدى إلى مشاكل كثيرة.

وتنبه في حديث مع صحيفة "فلسطين" إلى أن عدم تسلم الطلاب الكتب الدراسية خلال المدة الماضية كان له أثر، وعدم انضمام عدد كبير من الطلبة لمنصات التعليم الإلكتروني، وهذا يعزى إلى عدة أسباب، إما تقصير من الطالب أو من الأهل، أو لعدم معرفتهم أبجديات التعامل مع المنصات التعليمية مثل كيفية إنشاء "جيميل" وغيرها.

وتبين النجار أنه إذا انضم الطالب للمنصة التعليمية عدد قليل من يتفاعل، وذلك لاعتقادهم أن كل شيء سيعاد عند التعليم الوجاهي، وهذا أدى إلى عدم مبالاة الطالب والأهل، إلى جانب عدم توافر الأجهزة الحديثة مثل الحاسوب المحمول والهواتف المحمولة لدى بعض الطلبة، ما أعاق عملية الوصول إليهم.

وتغلبت على بعض تلك المشاكل بإنشاء قناة على موقع يوتيوب لتخاطب المعلمين والطلاب والأهل في آن واحد، وقامت بشرح كامل لمنصة جوجل "كلاس روم"، فحققت العديد من الفيديوهات آلاف المشاهدات، لكن مع ضعف الإنترنت على بعض البرامج مثل "الزووم وجوجل"، اضطرت لتسجيل الدروس على يوتيوب، وهي تشرح المنهاج على القناة وترسل الرابط للطلبة لتأدية المهام المطلوبة منهم، "ويا للأسف التفاعل ضعيف نوعًا ما"، وفق قولها.

المعلمة رنا زيادة التي تعمل ضمن طاقم وزارة التربية والتعليم، والمؤلفة لمادة التدريب على التعليم الإلكتروني، ومنذ خمسة أعوام تعمل في ذلك المجال من التعليم، ترى أن أبرز المشاكل التي تواجه المعلمين سببها البنية التقنية في القطاع، والإنترنت وجودته وعدم وصوله لعدد من المناطق، وعدد من الطلاب لا توجد لديهم القدرة على التفاعل بسبب عدم امتلاك مقومات التعلم الإلكتروني.

وتوضح أن المشكلة الثانية تتمثل في الخلفية التقنية لدى الطالب والمعلم، فالدرس يحتاج لتحضيره ساعة، خصوصًا لو كان رياضيات أو فيزياء، فكيف لو كان المعلم غير متمكن تقنيًّا؟!، فواجهت بعضًا صعوبات في الميدان.

وتقول زيادة لصحيفة "فلسطين": "بعضٌ لم يخض تجربة التعليم الإلكتروني، معتمد على أنه حين العودة سيعاد الشرح، وبعض أولياء أمور متعاونون ومتابعون، وآخر يحبط المعلم فيترك ابنه يستخدم الجوال دون متابعة".

وتضيف: "وفي اجتماعات يونسكو الأخيرة ترددت عبارة التعليم الإلكتروني أنه وجد ليبقى، فالمطلوب التعامل معه على أنه أمر واقع، يجب البدء بجدية، فالمعلمون جميعًا لديهم مادة تدريبية أعدتها الوزارة لتساعدهم، وعلى الطلاب الانضمام فورًا للصفوف التي أنشئت، ونحتاج إلى حملة للتوعية بأهمية التعليم".

وتؤكد أنه لا بد من التحفيز الشخصي للمعلم، والعمل على الوصول للطلاب من طريق أقرانهم، وتضافر جهود المجتمع المدني، والمؤسسات بتوفير ما يمكن من أجهزة تسمح للأطفال بمتابعة تعليمهم، وتعاون شركة الاتصالات مع المناطق التي لا يصلها إنترنت.

ومن جانبها تحدثت المعلمة الأردنية سمر نزال من أصول فلسطينية التي فازت بجائزة في مجال التعليم العام لفئة المعلم المبدع على مستوى الوطن العربي، بأن التحديات في التعليم الإلكتروني تتعلق بعوامل ثلاث هي المعلم والطالب والبيئة الإلكترونية.

وتبين أن المعلم على الرغم من الكثير من الدورات التي كانت تعقد في الوزارة للمعلمين في السنوات السابقة أُخذ على حين غرة، إذ طلب منه خلال مدة قصيرة أن يتواصل مع طلابه باستخدام التقنيات الحديثة، وعليه أن يغير من أساليب تدريسه لتوائم الطريقة الجديدة بعدما اعتاد أسلوبًا واحدًا مدة طويلة من حياته المهنية.

وتشير نزال إلى أن المعلمات خاصة واجهتهن صعوبة أكبر بسبب انعدام الخصوصية، إذ اضطرت للتواصل عبر الصفحات الشخصية لها وأرقامها الخاصة، والعامل الثاني كان الطلاب فمعظمهم ليس له خبرة باستخدام منصات التواصل، ومعظمهم في سن صغيرة لا يسمح لهم باستخدام المنصات، لذلك كان هناك حمل زائد على الأهالي لمتابعة أبنائهم.

لكنها تكمل: "إن الظروف الاستثنائية تحفز الإبداع، ومعظم المعلمين استثمروا المدة الماضية بتنمية أنفسهم مهنيًّا، وانتشرت الكثير من مقاطع الفيديو التعليمية لمعلمين أكفاء".