فلسطين أون لاين

الوطن العربي بين المد والجزر (2/3)

موقعية متكاملة

تحدثنا فيما سبق عن موقعية الوطن العربي وأهميته بين دول العالم، وما يضمه من خيرات وما يمثله من تحديات عرّضته لجذب الكثير من القوى الطامعة والغاصبة لاحتلاله واغتصاب ثرواته, نأتي الآن الي الحديث عن شأن آخر.

لقد فصلنا في الامتداد الجغرافي شرقا وغربا، على امتداد العروض المدارية شمال خط الاستواء، ذات الأجواء الحارة وامتداداتها شمالا نحو الدفء والبرودة النسبية على جبال "طوروس" في الشمال السوري، وجبال "زاغروس، والبختيارية" في شمال وشمال شرق بلاد الرافدين.

إنما يستتبع هذا تنوع في الحياة البشرية والحيوانية، بحسب التباينات المناخية، في هذه العروض؛ من حيث الرياح ودرجات الحرارة والأمطار والجفاف.

هذا التنوع أكسب المنطقة ألوانا من الجمال والثراء، بالإضافة إلى ما تضمه باطن الارض فيها من ثروات معدنية وكربوهيدراتية متعددة.

هذه العروض شمال الدائرة الاستوائية، يضاف اليها متفرقات من العروض الاستوائية، والمدارية الجنوبية، كما هو الأن في الصومال, وجزر القمر, شمال قنال الموزمبيق وبعض جزر المحيط الهندي التي كانت في فضاء الوطن العربي، في عصور العز والتألق..

إذن هذه الجغرافية الممتدة على هذه المساحة الواسعة، كانت الرابط الأهم بين أطراف العالم قديما وحديثا، وجاءت في مكامنها النفطية والهيدروكربونية، ومعادنها وفلزاتها، وفي تنوع انتاجها النباتي والحيواني؛ إضافة الي مواقع الآثار والمناطق السياحية والجمالية، ما أهلها لتكامل استراتيجي، بتنوع انتاجي يضعها في أهم الأماكن العالمية لتحقيق التقدم والقوة والرخاء، لو تم التعامل مع هذه المفردات الجمالية والحيوية بأنفاس العمل الصالح، وبروح الالتقاء والنقاء..

ودائما مع التحسب واليقظة التامة من شرور الأطماع والمكائد التي تتربص بها الدوائر، كما هو الشأن في حالات الجفاء والعداوات والأطماع الاستعمارية، والتبعية لها، والانقياد وراءها.

بين الهزيمة والنصر

أسلفنا بأن الوطن العربي، كان أكبر من ذلك قبل التدخلات الاستعمارية الحديثة، وما تبعها من تدخلات ومؤثرات مع قوى محلية، ناصبت الامة العربية العداء، لتلبية أطماعها المختلفة في الهيمنة والنهب والغصب.

الذي يهمنا تسجيله في هذا المقام، هو ما تم في العصر الحديث، بعيد الكشوف الجغرافية، والتمدد الإمبيرالي الأوروبي في القرن السادس عشر، وما تلى ذلك، بعد سقوط غرناطة الأندلس 1492، وانتهاء العصر العربي الأندلسي في شبه جزيرة اييريا (إسبانيا والبرتغال) تمت ملاحقة العرب واستيلاء الإسبان على ثغري " سبتة ومليلية " على ساحل البحر المتوسط، وعلى الجزر الجعفرية، وعددها 25 جزيرة، كل هذه المسميات تحت السيطرة الإسبانية، منذ ذلك التاريخ وتعتبرها إسبانيا ممتلكات إسبانية؛ رغم مطالبة المغرب بها، وقد عبثت الإدارة الإسبانية بديمغرافية هذه المغتصبات لتقليل عدد المغاربة فيها، وزيادة الإسبان..

كما أن إسبانيا قد احتلت جزر الخالدات (جزر الكناري)، وهي تعود أصلا بسكانها لإقليم سوس المغربي، على الساحل الاطلسي، وعددها سبع جزر كبيرة، وغيرها من الجزر الصغيرة، كما عبثت بديمغرافيتها لصالح الإسبان إلا ان الاكثرية فيها ما زالت لصالح المغاربة من إقليم سوس.. ورغم بعدها الكبير عن إسبانيا، ومجاورتها للبر المغربي، إلا أنها تعتبر من الأقاليم التابعة لها.. ولولا الهوان الذي تتلظى فيه المملكة المغربية، كما بقية الدول العربية الاخرى لرأيتها من يناوئ إسبانيا ويخرجها منها لتعود إلى الوطن الأم، كما عادت منطقة الريف شمال المغرب، "وسيدي أفني" والساقية الحمراء ووادي الذهب 1975 (الصحراء الإسبانية)؛ لا سيما وأنه تأتي لجزر الكناري (جزر الخالدات) فرصة ذهبية للمطالبة بها واستردادها؛ يوم كان نائب الرئيس " فرانكو " عليها الجنرال المغربي الراحل (محمد بن حمو)، والذي كان يشجع هجرة العناصر العربية إليها، تمهيدا لإطلاق حق تقرير المصير لسكانها، كما شأن الساقية الحمراء ووادي الذهب المقابلة لها على الشاطئ الاطلسي، لكن -مع الأسف- أن الملك محمد الخامس، قد طلب من الجنرال القدير/ محمد بن حمو/ أن ينضم إلى جيش بلاده, للاستفادة من خبراته العسكرية التي امضاها إلى جانب الجنرال " فرانكو " في اخماد الحرب الأهلية الإسبانية.

ولدى عودتنا إلى المشرق نعرج في ليبيا، على ولاية طرابلس الغرب، وأنها كانت في فترة حكم "الأسرة القرمانية" تمتد جنوبا حتى بحيرة تشاد، قبل أن تقع تحت الاستعمار الفرنسي في نهاية القرن التاسع عشر، فتتغرب عن الوطن العربي، لتطل من جديد دولة مستقلة عام 1960، ولكن غريبة عن العرب والعروبة؛ إلى أن انطلقت جبهة تحرير تشاد (فرولينات) عام 1962 لتناهض هذا الواقع الجديد، ولتعيد تشاد إلى عروبتها، التي ما زالت تراوح لتحقيقها، رغم الوضع العربي السيئ المتأزم؛ والمشاكل المتردية التي تمر بها الأمة العربية، بما يشبه الهزائم، وإن لم تكن الهزائم بعينها.

وهنا تجدر الاشارة إلى أن نوعا من الالتقاء مع هذا الاقليم قد تم بين 1975 و1987، قد وصل إلى تحقيق خطوات متقدمة بين الرئيس "جوكوني عويدي" وهو أحد قياديي (جبهة تحرير تشاد) والرئيس الليبي "معمر القذافي" بتحقيق رسمية اللغة العربية والثقافة العربية، وغير ذلك من المكتسبات لولا أن المؤامرة بين القوى الاستعمارية، وعناصر التبعية لها، قد قضت على هذا الاتجاه، وبقيت الأمور على حالها، دون مزيد من التقدم...!

نعم؛ بين النصر والهزيمة، تحققت مع النصر بعض الاشارات المتقدمة سرعان ما أطفأتها تيارات الهزيمة؛ بل والهزائم..!

لقد تحقق في حرب تشرين/اكتوبر 1973 شبه نصر للعرب.. كل العرب على الجبهتين المصرية والسورية، كان كافيا لإطلاق بالونات فرح عمت الوطن وأكنافه.. أمام هذا القدْر من النصر، ابتهج مَن ابتهج معنا ولا سيما من دول الجوار.

وهكذا؛ رأينا في جمهورية افريقية الوسطى المجاورة لكل من تشاد والسودان، تعرب عن فرحها، بدءا برئيسها (جان بيدل بوكاسا)، الذي كان يتمثل بملك فرنسا (نابليون الثالث) في أبهته وهيئته، رأيناه، تعبيرا عن حبه للعرب يبتهج، ويعلن إسلامه ويفاخر بأن دماء عربية تسري في عروقه، ويغير اسمه إلى/ أحمد صلاح الدين بوكاسا/ تيمنا بصلاح الدين الأيوبي، ويفرض الشريعة الاسلامية في البلاد ويطرد سفير الكيان الصهيوني، ويسحب اعتراف بلاده بهذا الكيان، ويؤكد حق الشعب الفلسطيني في السيادة على فلسطين، ويضع مقدرات بلاده في خدمة العرب والعروبة. وقد مضى في هذه الاتجاهات نحو العروبة أكثر من بعض الدول العربية..! لكن المؤامرة على الأمة العربية كانت له بالمرصاد سرعان ما انقضت عليه وعلى إمبراطوريته عام 1977، وقد انهالت عليه شتى التهم والأباطيل، بأنه كان يتلذذ بأكل لحوم الأطفال، ويعمل بهمجية لا أنزل البلاد من سلطان في ديكتاتورية واستبداد بقطع رؤوس البشر وتحطيمها! وقد ساهم بعض الإعلام العربي المغفل بترويجها وترديدها، مع الأسف الشديد..!

كذلك يأتي الدور على اوغندا في عهد رئيسها/ عيدي امين دادا/ وقد قطع علاقته بدولة الكيان الصهيوني، كما سحب اعترافه بها، وأعرب عن مطلق تأييده للقضية العربية، وطرد كل المستشارين الصهاينة، وأحل محلهم مستشارين فلسطينيين لتأكيد مواقفه، كما أعلن اسلامه، ووضع كل مقدرات بلاده في خدمة العرب والعروبة حتى أن مأواه ومثواه كان في المملكة العربية السعودية، لدى الإطاحة به كما أطيح بإمبراطور افريقيا الوسطى بوكاسا من قبل...!

و لقد تعرضنا في الجزء الثاني لما حققته الانتصارات البسيطة والثبات على المواقف الوطنية في تأييد وكسب كثير من الشعوب في المناطق المجاورة للوطن العربي وذلك في فترة المد الوطني والقومي.