يعول الإسرائيليون على أن العلاقة الناشئة مع عدد من الدول العربية، والخليجية تحديدا، قد تعوضهم عما فقدوه من تحالفات سابقة مع إيران وتركيا في عقود ماضية، لأن صور الاحتفال المهيب بتوقيع اتفاقيات السلام مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين، تعيد إلى أذهان كل إسرائيلي، خاصة الكبار بينهم، ممن لا يزالون يتذكرون جيدًا كيف سعت الدول العربية، كجسم واحد، إلى التدمير الكامل لإسرائيل.
للأسف الشديد، فإن التفكير الإسرائيلي في أن المزيد من الاتفاقيات ستأتي في المستقبل القريب يجعل الحدث أكثر إثارة، فرؤية إسرائيل مستقرة وقوية وآمنة، داخل شرق أوسط يعيش معه علاقات جوار معقولة إلى علاقات جوار جيدة، ويتحول من حلم إلى حقيقة، لحظة من الصعب أن تفوت أي إسرائيلي، ويا لحزن ما نرى!
بمجرد أن يشعر الإسرائيليون بالإثارة والاسترخاء من الاتفاقيات مع الإمارات والبحرين، يمكنهم أن ينظروا مرة أخرى لما يحدث من منظور جيو-إستراتيجي، ويلاحظون مسارات العملية التي مرت بها إسرائيل الصغيرة على مدار السبعين عامًا، بعد أن شهدت في العقود الأولى من وجودها، وقد كانت دولة فتية، تهديدا من جميع الدول العربية.
تمثل التهديد المباشر لإسرائيل أساسا من الدول المجاورة لها: سوريا ومصر والأردن، وكانت الدول البعيدة جزءًا لا يتجزأ من الكتلة المعادية، حيث ساعدت المجهود الحربي ضد إسرائيل، كل حسب قدرتها، وخلافًا لمعتقدات الكثير من الإسرائيليين، لم تكن إسرائيل وحدها في المنطقة في ذلك الوقت، فقد نجحت بتشكيل تحالفات استراتيجية في الشرق الأوسط مع دول إسلامية غير عربية: إيران الفارسية وتركيا العلمانية.
شكلت علاقات إسرائيل مع هذين البلدين، إيران وتركيا، رصيدًا استراتيجيًا لها، وساعدت في صمودها في بيئة معادية، لكن هذا التقسيم للحرب مع الدول العربية مقابل التحالف مع الدول غير العربية بدأ في التصدع في مرحلة أواخر السبعينيات.
وقعت إسرائيل آنذاك معاهدة سلام مع أقوى دولة عربية في تلك الأيام، مصر، بعد أن انقطعت علاقتها مع إيران عقب نشوب الثورة الإسلامية، والإطاحة بالشاه الفارسي، وشكلت هذه بداية العملية، فقد ظل العالم العربي معاديًا جدًا لإسرائيل، رغم بقاء التحالف الإسرائيلي التركي في حينه مستقرًا وقويًا، قبل أن يتراجع ويشهد انتكاسات متلاحقة، مع صعود أردوغان للسلطة قبل قرابة عقدين من الزمن.
في العقدين التاليين لاتفاق مصر وإسرائيل، شهدت العلاقات الإسرائيلية العربية تقلبات، فقد وقعت اتفاق سلام مع الأردن، وحاولت تنظيم العلاقات مع الفلسطينيين، وبدأت جولة قصيرة الأجل من التقارب مع الخليج، مقابل نشوب حربين في لبنان، وانتفاضات وعمليات مسلحة بالضفة الغربية وقطاع غزة، أما اليوم فقد أصبح التقارب بين إسرائيل والعرب علنيًا، وهذا هو وجه الشرق الأوسط اليوم، كما يأمله الإسرائيليون، وما لا يتمناه الفلسطينيون والعرب.