كلّ فترة تتجدَّد حالة الصراع بين رئيس السلطة محمود عباس ورئيس التيار الإصلاحي الديمقراطي محمد دحلان، وتطفو على السطح كل بواعث إشكالياتهما وتعقيدات العلاقات بينهما، وكل ذلك له انعكاسات على الساحة الفلسطينية شئنا أم أبينا، والكتابة عنهما ليس ترفًا ولا تطرفًا، ومن حق شعبنا أن يطّلع على ما يجري على الساحة، ومن أهم انعكاسات صراع عباس دحلان أن السلطة وحركة فتح لجأتا إلى التقارب مع حركة حماس وعرض فكرة الانتخابات التشريعية والرئاسية.
وحتى نكون قريبين من الواقع، أبو مازن يخشى من أن العلاقة بين حركة حماس والتيار الإصلاحي تفرز دعمًا لدحلان في أي انتخابات رئاسية مقبلة، فهذه الفزّاعة التي لا أعتقد أنَّ لها نصيبًا من الواقع إلا أنها أجبرت السلطة على إعادة تشغيل زر الوحدة الوطنية والانتخابات الشاملة.
ومن عوامل اشتعال الصراع بين عباس ودحلان توقيع اتفاقية "سلام" بين الإمارات والبحرين من جهة ودولة الاحتلال من جهة أخرى برعاية أمريكية، وعلى ما يبدو أنّه ستكون من إفرازات تلك الاتفاقية إعادةُ تشكيلِ قيادة السلطة الفلسطينية، ودحلان هو الأكثر دعمًا إماراتيًا ليكون رئيسا للسلطة، وهذا ما دفع أبو مازن إلى شنِّ حملة أمنية شرسة ضد تيار دحلان في الضفة، وبحسب وكالة صفا الفلسطينية فإنَّ الرئيس عباس أصدر تعليماته الصارمة والمشددة ضد تيار دحلان، وأوكل المهمة لجهاز الاستخبارات العسكرية الذي تمكّن من كشف الخط المالي لدحلان في الضفة، والمفاجأة كانت أن مسؤولين رفيعي المستوى في السلطة هم من قاموا بنقل تلك الأموال من الخارج إلى أراضي الضفة، وهذا ما أكد لأبو مازن بأن دحلان موجودٌ بقوة داخل المؤسستين المدنية والأمنية في السلطة، وأنه يسعى إلى السيطرة على أركانها والتمهيد لتوليه زمامَ الأمور والقيادة.
على كل الأحوال سيكون لأبو مازن كلمة وصفت بالمهمة في اجتماع الأمناء العامين مطلع الشهر المقبل، لكن شعبنا الفلسطيني وفصائله سَئِم الكلمات المكررة لعباس التي تدغدغ العواطف أحيانا، وفي هذا السياق وحتى نكون أقرب إلى الوحدة الوطنية، على السلطة الفلسطينية وحركة فتح أن تعلنا بشكل واضح وفعلي وقف التنسيق الأمني وتفعيل المقاومة بأشكالها كافة، والتخلي عن مسار التسوية الذي أثبت فشله.
وحتى نُهيِّئَ الأجواء لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني على أصوله الوطنية، فعلينا أن نشكل القيادة المشتركة للمقاومة الشعبية ضد الاحتلال، وأن نطلقها بالضفة في مواجهة التطبيع والضم وصفقة القرن، قبل أي حديث عن الانتخابات، فإن تحقَّق ذلك فكلنا سيقف خلف أبو مازن، وما دون ذلك فإن السلطة تبيعنا الوهم.