فلسطين أون لاين

استياء في الأوساط الأكاديمية وتخوفاتٌ من تضرر جودة التعليم

"تخفيض مفاتيح القَبول" هل يُنبئ بطوفانٍ من الخريجين؟

...
غزة - عبد الله التركماني

أثار تخفيض الجامعات الفلسطينية مفاتيح القبول في عدد من الكليات والتخصصات الرئيسة والمهمة، استياء خبراء أكاديميين رأوا أن هذه الخطوة تحمل سلبيات عديدة من شأنها أن تزيد من مشاكل الخريجين الجامعيين والتكدس الوظيفي في سوق العمل، وإنتاج خريجين غير متمكنين مِهنيًّا في تخصصاتهم المختلفة.

وتشير إحصاءات رسمية أخرى إلى أن قرابة 70% من العاطلين عن العمل في السوق الفلسطينية، هم من حملة الشهادات الجامعية، فيما تبلغ نسبة العاطلين عن العمل ممن هم دون هذه الدرجة العلمية 30% فقط.

وعقب إعلان وزارة التربية والتعليم نتائج الثانوية العامة، سارعت الجامعات الفلسطينية إلى طرح مفاتيح القبول في كلياتها، حيث ظهر انخفاض في مفاتيح قبول عدد من الكليات المهمة، مثل كلية الهندسة التي انخفض فيها نسبة القبول إلى 78% بعد أن كان العام الماضي 80%.

محمود عبد القادر الذي انتسب إلى كلية الهندسة في الجامعة الإسلامية بعد حصوله على معدل 93% في الثانوية العامة، يشعر بامتعاض كبير بسبب قدرة الطلبة الذين حصلوا على معدل 78% من الانتساب إلى ذات التخصص.

وقال عبد القادر لـ"فلسطين": "لو كنت أعلم أنني أستطيع الانتساب إلى قسم الهندسة دون الحاجة إلى الحصول على معدل مرتفع، لما اجتهدت كل هذا الجهد في الثانوية العامة"، معتبرًا أن الأمر ينزع الهيبة عن الجامعات الفلسطينية".

واتهم الطالب وزارة التربية والتعليم بالتقصير، وأضاف: "يجب أن تمنع وزارة التربية والتعليم تخفيض معدلات القبول في التخصصات المختلفة، وأن تمنح لكل تخصص قدره وأهميته، من أجل إنتاج خريجين مهنيين وقادرين على مزاولة المهنة بما يرتقي بالمجتمع ولا يدمره".

أما الطالبة فاتن رشيد التي انتسبت إلى قسم الصحافة والإعلام في الجامعة الإسلامية، فترى أن الجامعات الفلسطينية تحولت إلى "شركات تجارية"، تهدف لتحقيق الأرباح والاستثمار على حساب جودة التعليم.

وقالت رشيد لـ"فلسطين": "الطالب الفلسطيني يدفع ثمن هذه التجارة السوداء التي لا تراعي أي معيار يدلل على جودة التعليم، فبعد أن ساوت هذه الجامعات بين من حصل على معدل منخفض ومعدل مرتفع في الثانوية العامة، الآن تسعى لتخريج آلاف الخريجين في مستقبل مجهول تمامًا، وفي سوق عمل تحكمه الصراعات".

مصيبة تعليمية

ووصف نقيب المهندسين الفلسطينيين في قطاع غزة، كنعان عبيد، تخفيض معدلات القبول في كليات الهندسة في الجامعات الفلسطينية بـ"المصيبة"، مؤكدًا أن هذه السياسة تضر الصالح العام وسوق العمل ولا تخدم الطلبة أو القطاع الإنشائي والهندسي في قطاع غزة.

وقال عبيد لـ"فلسطين": "تخفيض معدلات القبول سينتج عنه عدة أمور سيئة، من بينها أن الجامعات ستضطر لتخفيض مستوى عمق المادة التعليمية من أجل أن تتناسب مع من حصلوا على معدل أقل من 80% في الثانوية العامة، فتصبح المادة المدرسة له هي ذاتها التي يتم تدريسها لمن حصل على معدل 95%، الأمر الذي سيتسبب بتدني التحصيل الدراسي لدى الطرفين".

وأضاف: "للأسف الشديد، أصبحت الجامعات الفلسطينية تتعامل مع كليات الهندسة كمصدر من مصادر الدخل، وكمورد اقتصادي، دون الالتفات إلى مصالح الخريجين ومتطلبات سوق العمل"، محملًا الجامعات الفلسطينية دون استثناء مسئولية هذه الممارسات السلبية.

ولفت عبيد النظر إلى أنه قبل سنوات كانت مفاتيح القبول في كليات الهندسة مرتفعة، الأمر الذي نتج عنه تخريج مهندسين عمالقة وأصحاب خبرات واسعة، مشيرًا إلى أن السياسة الجديدة من شأنها أن تخرج مهندسين غير مؤهلين لمزاولة المهنة.

وتابع: "هذه السياسة الاستثمارية ستنتج جيلًا لن يجد له مكانةً بين المهندسين الكبار وأصحاب الخبرات، وسيزيد من أعباء سوق العمل ومن طابور البطالة".

وحمل وزارة التربية والتعليم مسئولية كبيرة في تفشي هذه السياسات، وقال: "الوزارة ساهمت في تعزيز هذا الواقع السلبي، من خلال تخفيض مستوى القبول في الجامعات إلى 65% ومعدل التجسير إلى 50%، هذا أمر أضر بالتعليم".

عن دور نقابة المهندسين ومسئولياتها في مواجهة هذه السياسات، قال نقيب المهندسين: "النقابة لديها معايير في قبول انتساب المهندسين الجدد، أهمها اجتياز امتحان مزاولة المهنة، ولا يمكن قبول أي شخص دون اجتياز هذا الامتحان ودون أن تنطبق عليه كافة المعايير الموضوعة".

خداع الطلاب

من جانبه، انتقد الخبير في الموارد البشرية ومدير عام التنسيق القطاعي في وزارة التخطيط بغزة، مؤمن عبد الواحد، سياسات الجامعات الفلسطينية في تخفيض نسب القبول في التخصصات والكليات المختلفة.

وقال عبد الواحد لـ"فلسطين": "انقسم الشارع الفلسطيني إلى مبارك ومستنكر لتخفيض الجامعات لمفاتيح قبولها، فهو من جهة منح الطلاب مساحة واسعة لاختيار تخصصات متعددة أو حتى نفس التخصص في جامعات مختلفة، وأعتقد أن ما سبق هو الحسنة الوحيدة لتخفيض المفاتيح، لكنه بالمقابل وضع طلابنا في حيرة من أمرهم من تنوع وتعدد الكليات والتخصصات التي بات يستطيع دخولها لتدني المفاتيح".

وأوضح أن هذا الأمر شكل "خداعًا للطلاب"، من خلال تشجعيهم على الإقبال للانتساب إلى كليات لم يحلموا بالانتساب لها، وخير مثال على ذلك كلية الهندسة التي بات بمقدور أصحاب المعدلات المتدنية جدًا الانتساب إليها.

وأضاف عبد الواحد: "تدني مفاتيح القبول سينتج جيلا من الخريجين متواضعي الإمكانات والقدرات العلمية، والذي ينعكس سلبًا على الأداء الوظيفي والمهني".

وتابع: "معلوم أننا نمتلك جامعات عريقة ومتميزة وجامعات أخرى واعدة لكن قيد النمو والإنشاء، فتساوت الأولى مع الثانية ووُضعت في مربع واحد، كنت أتمنى شخصيا أن لا أراه".

وبيّن أن تدني مفاتيح القبول أغلق تمامًا باب التعليم المهني والتقني ضعيف الإقبال أصلًا، والذي بحاجة ماسة للدعم وفتح المجالات والفرص أمامه للنهوض.

وأكمل عبد الواحد: "سماح التعليم العالي لجامعات محددة في سنوات سابقة بتخفيض مفاتيحها جعل الجامعات الأعرق تفكر مليًا في مجاراتها حفاظا على حصتها السوقية من طلاب الثانوية العامة، وربما حلًا لأزماتها المالية، فألقت بجودة التعليم في عرض الحائط وكذلك جودة الخريجين التي سنعاني منها في سنوات قادمة بشكل ملحوظ، وهنا أحذر بأن القادم صعب وسيكون لدينا طوفان من الخريجين لكن الضعفاء وهنا مكمن الخطر".

وانتقد توجه بعض الجامعات لحل مشكلاتها المادية من خلال رفع الرسوم تارة أو تخفيض معدلات القبول تارة أخرى، وقال: "الطالب هو المستهدف في كلتا الحالتين، لكن العجيب والغريب أن التعليم العالي يمارس هوايته في المتابعة عن بعد لمجريات الأمور".

وحمل عبد الواحد وزارة التربية والتعليم المسئولية عن ما تفرزه سياسات الجامعات في تخفيض مفاتيح القبول في كلياتها، داعيًا الوزارة لفرض مفتاح قبول واحد على كافة الجامعات لحماية جودة الخريجين وجودة التعليم العالي.

معايير الجامعات

رئيس الجامعة الإسلامية في قطاع غزة د. عادل عوض الله، أكد أن مفاتيح التنسيق يتم وضعها بناء على مجموعة كبيرة من الإحصائيات واحتياجات الكليات، وقال في تصريحات صحفية نشرت مؤخرًا: "بالرغم من أن سوق العمل في غزة لا تتوافر فيه فرص عمل كبيرة ولكن نحن أمام مجموعة من الأبناء يجب أن نقدم لهم خدمة التعليم العالي".

وأضاف: "عندما ينخفض مفتاح التنسيق 1 أو 2% بعد دراسة، لا يعني أن جميع الطلبة المقبولين للتخصص معدلاتهم متدنية، وبالتالي فإنه يمكن للجامعة أو الكلية أن تقرر عدد الطلبة الذين ستختارهم لدراسة تخصص معين".

وشدد عوض الله على أن الجامعات فتحت المجال أمام من يجد في نفسه فرصة للإبداع والانطلاق في مجال معين فتعطيه الفرصة ويكون التحصيل الأكاديمي هو المعيار، متابعًا: "سوق العمل مشبع ولكن مضطرون للاستمرار في التعليم".