مع تنامي التوتر التركي الإسرائيلي، تنشغل الأوساط البحثية والأمنية الإسرائيلية في استشراف مآلات استمرار التوتر مع تركيا في المرحلة القادمة، على اعتبار أن الخلافات معها ليست مؤقتة، ولن تختفي بعد أردوغان، بل تعكس اتجاهات بعيدة المدى في المجتمع التركي.
رغم مظاهر العداء التركي لـ"إسرائيل"، تطالب الأوساط الأمنية والاستراتيجية بأن تكون حكومتهم حذرة للغاية في تعاملها مع تركيا، فلا مصلحة إسرائيلية بتحويلها إلى عدو نشط، مع أن تركيا تظهر درجة من البراغماتية تجاه "إسرائيل"، فلم تقطع علاقاتها الدبلوماسية تمامًا معها، وتحافظ على علاقات تجارية واسعة، بجانب علاقات الطيران مع "إسرائيل"، التي تعد مهمة للسياحة لها، وللمحافظة على الوصول للقدس.
القراءة الإسرائيلية للسياسة التركية تشير لتحولها لدولة كبيرة ومهمة، بما يتماشى مع تطلعات أردوغان، لتمجيد مكانة بلاده الدولية، بالسعي للهيمنة الإقليمية، والنشاط في الساحة الإسلامية العالمية؛ والاحتفاظ بوجود عسكري في العراق وسوريا وقطر والصومال، وتحدي اليونان على بحر إيجة، لعرقلة وصول "إسرائيل" ومصر وقبرص للأسواق الأوروبية.
في هذه الحالة، مهم لـ"إسرائيل" تحديد أدوات النفوذ التي ستجعل من الممكن كبح جماح طموح القيادة الحالية في تركيا، على المستوى الاقتصادي، بكونه مصدر قوة أردوغان، لكنه قد يصبح نقطة ضعفه، بهدف منعه من تشكيل تهديدات لمصالح "إسرائيل" الحيوية، وشراكاتها في النظام الإقليمي، ليركز النشاط الدبلوماسي الإسرائيلي بشأن تركيا على واشنطن، وحشد جماعات الضغط النفطية في الولايات المتحدة للغرض ذاته.
في الوقت نفسه، لا تتردد "إسرائيل" بالعمل مع مصر واليونان والإمارات لتقوية المحور الذي يحاول "احتواء" تركيا، بجانب التحركات الحالية لفرنسا، وتوسيع الوعي بسلوك تركيا الإشكالي، لأن دول البلقان عانت العبء العثماني في الماضي، وتخويف الآخرين من تركيا: رومانيا وبلغاريا وصربيا وكوسوفو.
صحيح أنه لا يمكن لـ"إسرائيل" أن تلتزم عملًا عسكريًّا ضد تركيا، ويجب أن تشرح ذلك لشركائها في شرق البحر المتوسط، لكن المؤسسة الدفاعية ومجتمع المخابرات في "إسرائيل" مطالبون بالتكيف مع الواقع الذي يشكل فيه السلوك التركي مخاطر على "إسرائيل" ومصالحها الحيوية، عبر فحص الآثار المترتبة على تكثيف نشاط البحرية التركية، ومتابعة التطورات في المجال النووي التركي، ومراقبة نشاط تركيا في القدس، وتحييد نفوذها فيها، مع أن الأردن ومصر والسعودية ودول الخليج شركاء طبيعيون في إحباط النفوذ التركي في القدس.
في قلب الجهود الإسرائيلية لإضعاف النظام التركي، تكمن المسألة الاقتصادية، لأنها تلعب دورًا رئيسًا في ترسيخ أو تقويض قبضة أردوغان على السلطة، من خلال مواجهة تركيا لصعوبات انخفاض قيمة الليرة، وكبح النمو، والديون المتضخمة، لأن الاقتصاد التركي أصبح الآن أكثر عرضة للخطر بسبب كورونا، التي أدت لركود اقتصادي، وحرمت تركيا من مصدر دخل مهم بسبب انهيار قطاع السياحة.