فلسطين أون لاين

زيارات اجتماعية مفاجئة رغم كورونا.. "إحراج" و"تهديد صحي"

...
غزة- مريم الشوبكي:

تفاجأت المسنة حياة سمير بأحد أقرباء الأسرة يدق باب المنزل، في جائحة كورونا، وقفت برهة والأفكار تتصارع داخل عقلها أتعتذر منه أم تسمح له بالدخول؟، خشيت غضبه فاستقبلته، ولكن في الوقت نفسه كانت الرهبة والخوف يتملكانها حتى انقضت ساعة زيارته.

حياة (75 عامًا) تعاني مرضي ضغط الدم والسكري، منذ إعلان حظر التجوال في قطاع غزة بعد اكتشاف إصابات بفيروس "كورونا" داخل المجتمع الشهر الماضي، فرضت حالة الطوارئ داخل بيتها، وأخبرت بناتها الثلاثة وأولادهن بعدم زيارتها حتى تنقضي الغمة.

وحياة ليست الوحيدة التي تمر بهذه المواقف المحرجة، بعضهم يعلن صراحة رفضه استقبال أي شخص حتى لو كان عزيزًا، وآخرون يتحرجون من الأمر ويرحبون بالزائرين على مضض، والسؤال يبقى هنا: ما التصرف الأسلم في هذه الحالات؟

تعبر نفين الريفي عن خوفها وخوف أسرتها من الإصابة بفيروس "كورونا"، وتستنكر عدم مبالاة بعضٍ وممارسة حياتهم اعتياديًّا وتبادل الزيارات، رغم تشديد وزارة الصحة على ضرورة التباعد، والتزام البيوت.

نفين معلمة رياضيات من حي التفاح، تقول لصحيفة "فلسطين": "رغم حالات الوفاة المعلنة جراء الإصابة بـ"كورونا"، هناك أناس يقنعون أنفسهم بأن الأمر هين، وآخرون يعولون على قوة مناعتهم".

تضيف نفين (35 عامًا): "لا أتحرج مطلقًا من رفض استقبال أي زائر في البيت خارج نطاق إخواني وأخواتي، لا آمن نقل العدوى لي، وإن كان من غير قصد".

في حين تقول شهيرة النعسان (65 عامًا): "لا أعتقد أنه من السهولة بمكان اقتناع الجميع بفكرة التباعد الاجتماعي رغم تحذيرات الصحة ووزارة الداخلية من الاختلاط، لا سيما أن موروثنا الاجتماعي والديني قائم على التقارب بالمصافحة والتقبيل، وهذان الأمران جسر وصول "كورونا" إلى جسدك".

في بداية الأمر جميع أقارب شهيرة التزموا الحجر المنزلي، ولكن أخيرًا تبادل بعضٌ الزيارات، رغم أن خطر انتقال العدوى ما يزال قائمًا، لذا كانت تعتذر إلى كل شخص يريد زيارتها، ولكن اليوم باتت تتحرج من الأمر، وقد تسبب لها بغضب بعضٍ منها.

تقول: "بت بين نارين: هل أرفض ومن يغضب يرضَ فيما بعد، أم أرحب مع اتخاذ احتياطاتي قدر الإمكان؟".

أما كمال الصفدي الذي يعمل موظفًا حكوميًّا فيبين أنه مع مرور الوقت أصبح الجميع متقبلًا فكرة التباعد الاجتماعي، ولا يظن أن الناس يستطيعون تقبل هذا الأمر مدة زمنية طويلة.

يوضح الصفدي، من حي الصبرة بمدينة غزة، أن هناك زيارات ضرورية إلى الوالدين مثلًا، وبعض الأقارب من أجل الاطمئنان عليهم ومساعدتهم فيما يحتاجون له، مع ضرورة عدم المصافحة والابتعاد مسافة معقولة عنهم.

ويقول: "أتصل بأخواتي وإخواني للاطمئنان عليهم واستئذانهم لزيارتهم، بعضهم يرفض الأمر وأتقبل ذلك برحابة صدر ولا أتحسس البتة، فهذا حقه المشروع في هذه الظروف الاستثنائية".

لغة الجسد

من ناحيته يقول رئيس قسم الاختصاصيين النفسيين والاجتماعيين في الإدارة العامة للصحة النفسية بغزة إسماعيل أبو ركاب: "باعتقادي العلاقات الاجتماعية والتواصل الاجتماعي صفة إنسانية بالدرجة الأولى، القرب الجسدي من العائلة والأصدقاء والمحيطين يخلق شعورًا بالأمان".

لكن أبو ركاب يضيف لصحيفة "فلسطين": "هناك أمور طارئة تحدث كجائحة "كورونا"، وتطبيق إجراءات السلامة وسبل الوقاية مرتبطة بثقافة مجتمع يجب أن يتبناها أكثر لكونها قانونًا اجتماعيًّا".

وبعضٌ حينما يطبق التباعد الاجتماعي يصيبه الحرج، فكيف يمكن منع هذا الحرج؟، يجيب: "التقبيل والمصافحة أمور منصوص عليها اجتماعيًّا وأصبحت دارجة عند أغلب الناس، ولذا إن التوقف عن فعلها لتطبيق التباعد الاجتماعي يكون باتباع لغة الجسد لتبين للشخص الذي أمامك أنك ملتزم إجراءات السلامة".

ويبين أبو ركاب أنه بالاكتفاء بلغة الجسد كوضع اليد على الصدر عند مقابلة الأشخاص كزملاء العمل أو الأقارب أو الأصدقاء، سيفهمون تلقائيًّا أنك ملتزم إجراءات الوقاية من فيروس "كورونا"، لهذا إن لغة الجسد الفاصل الأساسي لمنع الحرج وتحمي الأشخاص نفسيًّا واجتماعيًّا.

ويوضح أنه في حال التقى الشخص آخر واقترب منه ومد يده فلم يسلم عليه وشعر بالحرج، تلقائيًّا عليه أن يعتذر إليه ويبين سبب عدم المصافحة عملًا بتحذيرات وزارة الصحة بأن الخطر من انتشار "كورونا" لا يزال قائمًا.

ويلفت أبو ركاب إلى أن تطبيق التباعد الاجتماعي أكثر تعقيدًا في العلاقات الداخلية والمقربة جدًّا، لما فيها من حرج وحساسية عالية أكثر من التعامل مع الأصدقاء وزملاء العمل.

وينصح في هذه الحالة بأن يعمم الشخص مرة واحدة داخل العائلة بأنه ملتزم إجراءات الوقاية من "كورونا"، وأن والتواصل والمصافحة يزيدان من نسبة المرض، والتواصل اللفظي أفضل في هذه المرحلة منعًا للحرج.

ويدعو أبو ركاب إلى التزام إجراءات السلامة من تباعد اجتماعي ولبس الكمامة، فعدم المبالاة قد يقتل الأحباب، فإذا لم يكن الشخص مهتمًّا بصحته فعليه أن يهتم بصحة الآخرين، فاستخفافه يمكن أن يزهق روحًا سيحاسب عليها يوم القيامة.