كيف تلبّس مطلق النار على ثلاثة أرواح بريئة أن من حقّه أن يفعل ما فعل؟ لا شكّ بأنه لم يكن قرار ارتكاب هذه الجريمة وليد لحظة غضب أو ردّة فعل متسرّعة وإنما كان ثمرة برمجة نفسية لثقافة سلبية مستشرية ومركوزة في أعماقنا، فيلم معدّ السيناريو وجاهز ليقوم من يمثّل الدور بتمثيله على أكمل وجه، فيلم تراجيدي مكرور لا يحتاج الى الإخراج ، يرتجل فيه الممثلون ولا يلتزمون الا بما هو معشعش في نفوسهم من هواجس متخلفة ولا صلة لها بمنطق أو عقل أو خلق أو دين.
وهذا يكشف لنا ثغرات مريعة في البنيان النفسي الثقافي العربي تبدأ بالشعور السلبي باستقواء واستحواذ طرف على آخر بغير حق ولا أي اعتبار صحيح الا من زاوية أنه ذكر وحامي حمى الشرف والعرض والسمعة الحسنة، وهذه في اغلب الأحيان مجرد وقود وسخ لمبررات الجريمة ولا حقيقة لها على أرض الواقع.
هذا الاستقواء أو الحاق انسان بآخر وكانه ملك يمينه أو جزء من ممتلكاته يحق له التصرف به كيفما شاء هو عين الخلل في البنيان التربوي والاجتماعي، ويأتي ليحل محل الشراكة من منطلق التساوي في القيمة والوزن والحقوق والواجبات، فلو علم يقينا هذا القاتل بأن من يفكّر بالاعتداء عليه كائن قائم بذاته مسئول عن نفسه له حرمة كاملة كما له، وبالتالي ليس من حق أحد أن يتمادى في حدود الاخرين ويفرض ما يريد كما يحلو له لا من قريب ولا من بعيد. عدا عن الوصول الى ارتكاب جريمة ووضع حدّ لحياة انسان كامل السيادة على نفسه.
وهناك ثغرة كبيرة في القانون حيث يأخذ مرتكب الجريمة على خلفية ادعاء انها جريمة شرف حكما مخفّفا بدل أن يأخذ ما يستحق القاتل عن سبق إصرار وترصّد، هذا يشجّع بدل أن يقلصه من نسبة ارتكاب هذه الجرائم.
الجريمة مؤلمة جدا، حجمها كبير وتداعياتها ستلاحق العائلة ملاحقة شرسة لتدينها ولتضعها في دائرة الشبهة والخطأ والجريمة والظلم، لن تندمل جراحها بسرعة لأننا في مجتمع تنتشر فيه الاشاعة والاقاويل وتحميل ما حدث أكثر بكثير مما يحتمل.
الموضوع بحاجة الى جراحة ثقافية لنزع ما فيه من أفكار سلبية ولتعزيز الإيجابي والمعادلات العادلة والمتوازنة والتي تضع الناس سواسية كأسنان المشط ، ثم بحاجة الى تفعيل قوانين رادعة لكل من تسوّل له نفسه ليكون عبرة لغيره ولنجعل من هذا الرد حياة للناس كما قال تعالى: " ولكم في القصاص حياة ". فالحياة الرشيدة والقويمة لا تقوم الا على العدل بين الناس ومعاقبة كل من يخترق هذا العدل بما يتوازى تماما مع حجم الجريمة التي ارتكبها.