فلسطين أون لاين

ما موقف الشرع من التعايش مع وباء كورونا؟

...
غزة -هدى الدلو:

مع حظر التجوال الذي قررته وزارة الداخلية والأمن الوطني في قطاع غزة، لمنع تفشي فيروس كورونا بين المواطنين حرصًا على سلامتهم، لا سيما كبار السن وأصحاب الأمراض والأطفال وضعاف المناعة، وتخفيف إجراءات الحظر في بعض المناطق وفق تقييمات صحية، تباينت آراء الناس، ومنهم من دعا إلى "التعايش" مع الفيروس، فما موقف الشرع من ذلك؟

الأستاذ المشارك في الفقه وأصوله بكلية الشريعة والقانون في الجامعة الإسلامية د. زياد مقداد يوضح لصحيفة "فلسطين" أنه في البداية الأصل أن يلتزم المواطنون بالتعليمات والتوجيهات التي تصدرها الجهات الرسمية والمسئولة، كوزارة الصحة والداخلية، والمقصود منها الحفاظ على صحة المواطنين وأحبابهم، خاصة فئة المرضى وكبار السن والضعفاء.

ويؤكد ضرورة الالتزام بالحجر المنزلي، وارتداء الكمامات، والحفاظ على التباعد الاجتماعي، خاصة في البيع والشراء والعمل، لافتًا إلى أنه من المعلوم أن إجراءات منع التجوال لن تستمر طويلًا، وإنما يقصد منها المسئولون محاصرة الوباء، واكتشاف خريطة انتشاره.

ويقول مقداد: "بدأنا نرى بعد الإغلاقات نوعًا من المرونة في بعض المناطق التي لا يوجد بؤر للوباء فيها، للتسهيل على المواطنين، ولكن هذا لا يعني أن الوباء قد انتهى، ولكنه يصعب الاستمرار في التزام الحظر، فالناس بحاجة إلى العمل لتلبي احتياجاتها، ولذلك الجهات الرسمية تعمل بخطين متوازيين حتى لا تعطل الحياة العامة".

ويضيف: "ربما نشهد مزيدًا من التسهيلات، ولكن ذلك لا يعني أن نترك التزام الضوابط"، مشيرًا إلى أن الضوابط التي تضعها الجهات المختصة في قطاع غزة تصب في المصلحة العامة، فلا أحد يعلم متى سينتهي الوباء ومتى سيكتشف العالم لقاحًا للقضاء عليه، "فلا بد من التعايش معه، ولكن الأمر يتطلب حذرًا وضوابط".

ويتابع مقداد: "وعلى ذلك الشريعة لا ترى مانعًا من التعايش مع الوباء ما لم يؤدِ إلى إزهاق في الأرواح والأنفس، إنما يتأتى بالتزام الضوابط؛ فالشريعة تبيح التعايش مع المرض وتلزم الناس التزام الضوابط وإجراءات الوقاية".

استثمار الوقت

بدوره يرى العضو الاستشاري في رابطة علماء فلسطين الداعية أحمد زمارة أن المسلم في هذه الحياة مطالب بالعمل، وأن يكون حريصًا على استثمار وقته وحياته، لأنه مسئول عن وقته فيم أفناه وشبابه فيم أبلاه وعمره فيم قضاه، ولكن قد يضطر إلى الجلوس في بيته، وتتعطل مهامه المنوطة به مؤقتًا أمام سبب طارئ لا يقدر على دفعه، كما حدث في معظم البلدان أخيرًا بسبب فيروس كورونا، إذ تعطلت المصانع وأغلقت المساجد وتوقف قطار العمل.

وفي حديث مع صحيفة "فلسطين"، ينبه إلى أنه عندما طال الأمر في بعض الأقطار، كان لا بد من إيجاد وسيلة لتستمر الحياة وتعود مصالح العباد للعمل وتدور العجلة، ولكن وفق ضوابط وشروط، وإن كان هذا على مستوى العالم بأسره فإنه في بلاد الإسلام أدعى للعمل وللنهوض من جديد.

ويقول زمارة: "طبع المسلم ألا يركن إلى الظروف المحيطة مهما كانت سيئة أو سلبية، بل يتخذ منها مادة للبناء والتشييد في معنى الحياة، بحيث ينجز أعماله ويقوم بواجباته الدينية والدنيوية التي كلف بها في أحسن صورة وعلى أكمل وجه ممكن، وليس من طبع المؤمن الحقيقي أن يتخذ الوباء أو المرض عذرًا للتقصير في الحقوق أو التنصل من الواجبات".

ويوضح أنه عندما يبتلى المسلم ببلاء فإنه لا بأس بأن نسعى في كل اتجاه مشروع، ونطرق كل باب ممكن، والقلوب تملؤها الأمل بدفع هذا البلاء، ولكن هذا السعي الحثيث ينبغي أن يكون مرحليًّا مؤقتًا، مضيفًا: "فإذا بدا أن هذا البلاء قدر ثابتٌ مستمر اختاره الله، فإن من الحكمة العمل على إعادة توجيه الجهود في مدافعة هذا البلاء إلى التعايش معه، (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم)".

ويشير زمارة إلى أنه لا بد من اتخاذ كل التدابير اللازمة للاستمرار في الحياة، فعلى الأصحاء الذين يعودون لأماكن عملهم على اختلافها (الموظف والعامل والتاجر والسائق وغيرهم) أن يأخذوا وسائل الوقاية والسلامة التي تحددها الجهات المختصة، وألا يتهاونوا لأن المرض ليس مزحة، ولأن حياة المسلم غالية، ولأن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وجهنا فقال: "لا ضرر ولا ضرار".

ويبين أن تعايش المسلم مع وباء كورونا لا بد أن يكون بعيدًا عن السلبية، ولا يكون سببًا في الضرر والإضرار، مع مراعاة حق الإسلام قبل كل شيء، ففي الحديث: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده".

ويدعو زمارة المريض إلى أن يحافظ على التزامه مكان استشفائه ولا يخرج منه ويطلب العلاج، ويرفع يديه إلى الله طالبًا منه الدواء والاستشفاء ورفع البلاء، ويحذر مخالطة الأصحاء عملًا بالهدي النبوي.