فلسطين أون لاين

البارجتان البريطانيتان.. الأجداد أغرقوهما والأحفاد اكتشفوهما!

تقرير مُسنٌّ من خان يونس يروي تفاصيل مشاركة أفراد عائلته في الجيش التركي

...
صورة أرشيفية
غزة/ أدهم الشريف:

قبل أكثر من قرن، وتحديدًا خلال الحرب العالمية الأولى التي اندلعت بين عامي 1914- 1918، كانت البوارج العسكرية وغيرها من القطع البحرية المختلفة تمخر عباب البحر، وتدك بقذائفها مناطق مختلفة من دول الشرق الأوسط.

وكان قطاع غزة الواقع تحت الحكم العثماني آنذاك من المناطق التي تتعرض للهجوم المستمر من البحر بأنواع مختلفة من الأسلحة والقذائف والقنابل، ومن عدة أطراف بينها بريطانيا التي سيطرت على فلسطين بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، واستمر انتدابها حتى عام 1948، حيث أعلن قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي بعد سلسلة مجازر بشعة ارتكبتها العصابات الصهيونية بحق المواطنين الفلسطينيين، وتسببت بتشريد أكثر من نصف مليون فلسطيني إلى دول الشتات.

في خط الدفاع الأول ضد الغزو البريطاني آنذاك الذي انتشرت بوارجه قبالة سواحل غزة، كان مجموعة من المواطنين الفلسطينيين يعملون جنودًا في الجيش التركي، بينهم 6 أفراد من عائلة أبو سبلة من محافظة خان يونس جنوبي قطاع غزة، التي تمتد جذورها لتشمل عائلات عايش، وقويدر، وعطايا.

يقول المسن عليان عطايا (69 عامًا)، إن خمسة أفراد من العائلة كانوا يعملون في الجيش التركي في غزة خلال الحرب العالمية الأولى، بينهم 3 رجال وامرأتان.

وعدد خلال حديثه مع صحيفة "فلسطين"، بعض أسمائهم؛ وهم: خليل محمد أبو سبلة وزوجته، ومحمد عبد القادر عايش، ونجله محمد وزوجة نجله نادية محمود أبو سبلة.

تعتقد العائلة أن أفرادها الرجال الذين كانوا يعملون بالجيش التركي لهم صلة مباشرة بالأعمال العسكرية التي كان ينفذها الجيش والتي أدت إلى تدمير بارجتين عسكريتيْن بريطانيتيْن قبالة سواحل غزة آنذاك.

وأضاف أن الحرب العالمية التي اشتعلت قديمًا كانت حامية الوطيس ضد غزة، وكان لأفراد عائلتنا دور في صد الهجوم البحري على القطاع، وإغراق العديد من القطع البحرية قبالة السواحل.

ما خفي أعظم

ومنذ ذلك الحين ظلت البوارج الحربية غارقة في البحر، ولم يكشف عنها إطلاقًا إلى أن جاءت كتائب القسام الذراع العسكري لحركة حماس، لتكشف عنها في حدثٍ هو الأول من نوعه، وفق ما جاء في تحقيق "ما خفي أعظم" للإعلامي الفلسطيني تامر المسحال، وبث قبل أيام على قناة "الجزيرة".

وكشفت القسام عن عثورها على قذائف في البارجتين البريطانيتيْن الغارقتيْن، واستطاعت إعادة تدويرها واستخدامها رغم مرور أكثر من 100 عام عليها وهي في قاع البحر.

ويقول المسن عطايا، إن مشاركة أفراد من عائلتنا في الجيش التركي والتصدي للغزاة الذين جاؤوا لضرب غزة، يمثلان شرفا كبيرا لنا وأهمية تاريخية للعائلة.

كما يروي الدور المهم الذي أداه أحد أفراد العائلة وهو عايش موسى عايش عطايا أبو عطايا، في إحدى المعارك التي خاضها الجيش التركي، خارج فلسطين في ذلك الزمان.

وقال إن عايش شارك مع الجيش التركي في معركة ضد الجيش الروسي اندلعت عام 1856، وكان يعمل جنديا في المدفعية، لكن وبعد أن جاءت أوامر بانسحاب خط الدفاع الأول عن الدولة العثمانية آنذاك، أدرك وجود رشوة وخيانة، خاصة وأنه تم العثور على مظلات مسقطة من طائرات روسية تحتوي على أموال.

عندها قرر الجندي الفلسطيني في الجيش التركي بدء المعركة، وأعطى الأوامر بإطلاق النيران باتجاه الروس رغم أنه لا يملك الصلاحيات اللازمة لذلك، واستجاب الجنود كافة له، وانتصروا بالمعركة في ذلك الحين، كما يقول المسن عطايا.

وفي رواية أخرى أوردها لـ"فلسطين" الخبير المختص في الأمن الإسرائيلي ناجي البطة، قال إن غرق البارجتين البريطانيتين حدث عام 1917، بعد أن جاءت البارجتان من أمام مصر في إطار تحرك الإنجليز من القاهرة إلى فلسطين لخوض الحرب ضد العثمانيين الأتراك.

وأضاف أن خط الدفاع العثماني كان يمتد من وادي غزة حتى من مدينة بئر السبع في النقب المحتل جنوبي فلسطين المحتلة.

وتابع البطة مستندًا لما حدثته به جدته وهيبة سلامة واكد العقاد عام 1973 أن البارجتين حاولتا إنزال جنود بريطانيين مقابل خط الدفاع العثماني، مشيرًا إلى أن والد جدته كان يعمل في الجيش العثماني أيضًا، والذي خرج للمشاركة مع العثمانيين في الحروب ولم يعد.

وأكمل روايته بأن دماء الجنود الذين كانوا على متن البارجتين اختلطت بمياه البحر، ونجح العثمانيون في أسر جنود وضباط بريطانيين، واعترفوا أنهم قدموا رشوة لقائد عثماني من المسؤولين عن خط الدفاع العثماني قبالة سواحل غزة.

لكن أحد أفراد الجيش التركي وهو فلسطيني من عائلة أبو سبلة كان قد اكتشف الخيانة الحاصلة، وأعطى الأوامر لضرب البارجتين ما أدى لتدميرهما، وشاء القدر بعد هذه السنوات الطويلة أن تعثر القسام على البارجتين لتستفيد مما بداخلهما من قذائف بعد إعادة تدويرها تزامنًا مع حرب أمنية شرسة تُجرى علنًا وفي الخفاء لتجفيف منابع إمدادات فصائل المقاومة بالإمكانات العسكرية التي تستخدمها في صد جيش الاحتلال.

الأحفاد المجاهدون

وكانت فصائل أشادت بقدرة القسام على اكتشاف البارجتين واستخراج ما بداخلهما من قذائف قديمة واستخدامها مجددًا.

وقال نائب الأمين العام لحركة المقاومة الشعبية رزق عروق: "من باطن الأرض أخرجت المقاومة الأسطوانات الحديدية لتحولها إلى حمم تقذف بها رؤوس الأعداء، بعد أن طواها النسيان".

وتابع عروق في تصريح مكتوب تلقت "فلسطين" نسخة عنه: "ويشاء ربك أن يُغرق أهل غزة سفنًا بحرية بريطانية قبل نحو مائة عام، بمعاونة الجيش العثماني في آخر أيامه في فلسطين، على ساحل دير البلح، ليأتي الأحفاد من نجباء مجاهدي هذه الأرض الطيبة ليُخرجوا ما في جوف هذه السفن، ليعود بريقها يلمع في سماء فلسطين مرة أخرى بأيدي أبنائها، ليردوا العدوان ويقطعوا دابر البغاة".