أُنشئت دولة الإمارات العربية عام 1971م من اتحاد عدد من الإمارات الصغيرة المطلة على الخليج العربي الذي كان يعرف بالساحل المتصالح، وذلك على يد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان زعيم أكبر إمارة من تلك الإمارات وهي إمارة أبو ظبي، حيث تبلغ مساحتها حوالي 67 ألف كيلو متر مربع من مجمل مساحة دولة الإمارات البالغة 83 ألف كيلو متر مربع.
يبلغ عدد مواطني دولة الإمارات حوالي 980 ألف نسمة أي حوالي نصف عدد سكان قطاع غزة، ونظام الحكم فيها نظام ملكي وراثي معقد، بحيث يحكم كل إمارة حاكم وينتقل الحكم فيها لولي عهده بالوراثة، والسلطة الأعلى في البلاد لرئيس الدولة الذي يرأس حكام الامارات فيما يعرف بالمجلس الأعلى للاتحاد الذي يتولى رسم السياسات العامة وإقرار التشريعات الاتحادية، ولحاكمي أبو ظبي ودبي سلطة النقض النافذ داخل المجلس الأعلى للاتحاد، ورئيس الوزراء والوزراء مسؤولون أمام رئيس الدولة وأمام المجلس الأعلى للاتحاد الذي يعدّ أعلى سلطة تشريعية في الدولة.
كذلك يوجد شكل لبرلمان يسمى المجلس الوطني الاتحادي، ولا يتمتع هذا المجلس بأية صلاحيات تشريعية، بل يمارس دورًا استشاريًا فقط، ويتكون المجلس الوطني الاتحادي من 40 عضوا توزع مقاعده على إمارات الاتحاد بنسب معينة، ويتم تعيين 20 من أعضائه بحيث يتولى حاكم كل إمارة تعيين حصة إمارته من المجلس، أما العشرون عضوا الآخرون فيتم انتخابهم بطريقة غريبة، فلا يسمح لكل المواطنين بالانتخاب، وإنما من يصدر بهم قرار من حاكم كل إمارة فقط، وهذه القائمة تشمل عددا من المواطنين المعروفين بولائهم التام لحاكم الإمارة، (ومما تتفاخر به دولة الإمارات أن المجلس الاتحادي المذكور يشارك فيه أعلى نسبة من الإناث على مستوى العالم).
منذ إنشاء دولة الإمارات كانت سياسة الشيخ زايد الخارجية مؤسس الدولة محط احترام وتقدير من الشعوب العربية وكذلك الحكام العرب، نظرا لما تمتع به الرجل من بعد نظر وحكمة في التعامل مع مختلف القضايا العربية حيث عرفت السياسة الخارجية للإمارات بدعمها دائما للخيارات العربية والاجماع العربي. توفي الشيخ زايد رحمه الله في عام 2004 ليرثه في الحكم ابنه الأكبر الشيخ خليفة الذي ما لبث ان فوض أخاه الشيخ محمد ولي عهده بإدارة الدولة لعجزه الطبي.
منذ تولي الشيخ محمد بن زايد الحكم في دولة الامارات تبنى سياسة خارجية للإمارات لم تكن معهودة البتة في تاريخها، وقد ظهر طموحا غريبا لمحمد بن زايد بتوسيع نفوذ دولة الامارات مستغلا الوفرة المالية الناتجة عن عائدات النفط، رغم عدم وجود ما يدعم هذه الطموح لدي دولته صغيرة المساحة وقليلة عدد السكان، ولكن ابن زايد حاول أن يتجاوز هذه المعضلة من خلال عدة وسائل بدأت بإنشاء شركة موانئ دبي العالمية والتي حاول من خلالها السيطرة على الموانئ الإستراتيجية في المنطقة، ولكن ما لبث هذا المشروع ان أثبت فشله بعد طرد هذه الشركة من عدة دول عندما اكتشفت هذه الدول أنها تتجاوز دورها الاستثماري لتلعب دورا امنيا واستخباريا بالتعاون مع "إسرائيل"، وذلك ما حدث في جيبوتي والصومال.
كذلك أظهر محمد بن زايد عداء شديدا لثورات الربيع العربي وساهم بشكل كبير في اسقاط هذه الثورات من خلال دعمه القوي لقوى الثورة المضادة في كل البلدان التي هبت عليها نسائم الربيع العربي، وما كشفته صحيفة الغارديان حول دوره في افشال الثورة السورية خير دليل على هذا العداء المستحكم، والذي مرده شعوره بالخطر الوجودي على حكم اسرته الوراثي الذي لا يعتريه أي مظهر من مظاهر الديمقراطية كما بينا في بداية المقال، ولتثبت أركان حكمه عمد محمد بن زايد للعمل في اتجاهين، اما الاتجاه الأول فهو افشال موجة الربيع العربي بكل الوسائل المتاحة وهو ما حقق به نجاحا ملحوظا، أما الآخر فهو تبني سياسة خارجية قائمة على التحالفات التي تخدم تثبيت حكمه ولا تخدم المصالح العربية، ففي الوقت الذي يظهر العداء لإيران ومحور المقاومة تجده يدعم حكم بشار الأسد في سوريا خوفا من نجاح الثورة في الوصول لحكم سوريا، وفي الوقت الذي يظهر دعما لحكومة هادي في اليمن تراه يدعم المجلس الانتقالي الجنوبي خوفا من وصول قوى الثورة لحكم اليمين، وفي ليبيا يعادي حكومة الوفاق المعترف بها دوليا ويدعم حفتر الجنرال المتمرد، ويحاول حتى اللحظة زعزعة الوضع المستقر نسبيا في تونس بعد الثورة أملا في القضاء على التجربة الديمقراطية الواعدة فيها، وعمل على حصار دولة قطر وذلك بسبب دعمها الصريح للربيع العربي متهما إياها بدعم قوى الإرهاب، وقبل ذلك حاول ان يزعزع الحكم الديمقراطي في تركيا لذات السبب فدعم انقلابا فاشلا فيها أملا في تغير الحكم وتسليمه للعسكر كما حدث في دول أخرى، وأخيرا تفتقت عقلية ابن زايد عن كشف علاقته السرية مع "إسرائيل" من خلال الإعلان عن إقامة علاقات سلام وتطبيع كامل مع دولة الاحتلال الصهيوني لتوفير الحماية والدعم السياسي والعسكري والامني لمشروعه في المنطقة العربية، فاتحًا الطريق للبحرين وبعض الدول التي تساوقت معه في مشروعه سواء بالترغيب المالي أو الترهيب من قوى التغيير، للإعلان عن هذه العلاقة التي تتناقض مع تاريخ وثقافة وتطلعات كافة شعوب المنطقة، وكما عمل بن زايد على تفتيت مجلس التعاون الخليجي يحاول اليوم إنهاء دور الجامعة العربية المترهل أصلا، فيستخدم نفوذه في منع صدور بيان عن الجامعة لإدانة تطبيع دولته مع دولة الاحتلال وخروجها عن الإجماع العربي، معللا ذلك بالعمل السيادي لدولته، متناسياً أن هناك فرقا بين الأمور السيادية وبين المصالح القومية والعربية المشتركة.
ما يقوم به ابن زايد نشاط لا تستطيعه إلا الدول العظمى التي تمتلك قدرات عسكرية وبشرية وعلمية واقتصادية هائلة تستطيع ان تسند مثل هذه (المخططات الإمبراطورية) وهذا الامر تفتقده دولة الامارات التي تعد دولة قزمة إذا ما قيست بقدرات وإمكانات الدول العظمي، التي يحاول ابن زايد منذ أن وصل للحكم أن يتشبه بها.
لم يدرك بن زايد أنه يقوم باستنزاف قدرات دولة الامارات المالية والاقتصادية ( الميزة الوحيدة لها) التي لم تحققها إلا من خلال خلق بيئة اقتصادية قائمة على سياسية متوازنة دفعت المستثمرين وكبريات الشركات العالمية للاستثمار فيها، ولكن لن تلبث هذه الحالة ان تنكمش شيئا فشيئا وذلك بسبب تغيير البيئة الاقتصادية للدولة من بيئة جالبة للاستثمار الي بيئة طارده له، بسبب سياسات ابن زايد التي حولت الامارات من عامل استقرار الي عامل توتر في المنطقة وما يستتبع ذلك من تغيير في الحالة الاقتصادية للدولة بدأت تظهر أعراضه شيئا فشيئا، فحسب توقع مصرف الإمارات المركزي سينكمش الاقتصاد بنسبة 3.6 بالمئة خلال 2020، وحسب الخبير الاقتصاد والمالي عبد الله الخاطر في حديث لموقع "الخليج أونلاين" أن "اقتصاد الإمارات يواجه الهشاشة وإن الاقتصاد الإماراتي يمر بأصعب مراحله حيث دُفع منحنى الاقتصاد الإماراتي إلى التراجع بشكل خطر.
موضحاً أن جائحة كورونا ساهمت في استكمال هذا الانهيار خصوصاً مع حدوث إفلاسات في شركات كبيرة، وتراجع القطاع المصرفي الذي دخل في اندماجات الهدف منها خفض الكلفة، ومحاولة إدارة الأزمة بشكل عام.
ناهيك عن الاستنزاف المالي الكبير للصندوق السيادي للإمارات من خلال الصرف على العمليات الحربية والاستخباراتية التي تقوم بها الامارات في المنطقة، فضلا عن الإتاوات التي تدفع للسيد الأمريكي بين الحين والآخر مقابل توفير الحماية من جانب وغض الطرف من جانب آخر عن بعض نشاطات ابن زايد وحلفائه.
يبدو ان محمد بن زايد يعمل سريعا على هدم ما قام به سلفه الراحل الشيخ زايد مؤسس الدولة طيب الذكر، ونأمل الا يقال قريبا إن الشيخ زايد بنى دولة الإمارات ونجله الشيخ محمد هدمها، ولنا في التاريخ عبرة.