الشيخ عمر البرغوثي عمره من عمر الاحتلال، سلك عمر طريقًا غير الذي يسلكه الاحتلال وأعوان الاحتلال، وبينما كان الاحتلال يغتصب الأرض ويقيم دولة جبروت وطغيان كان عمر بمعول مقاوم يهدم هذا الكيان، قناعة عمر أنه لا يمكن أن يخضع أو يستكين أو يتوانى لحظة ولو كان وحده، فالواجب مهما ادلهمّت الخطوب وتكالبت الظروف هو واجب، والوضع الطبيعي هو الاشتباك والبقاء في خندق المقاومة والتنقل الدائم من واجب الى واجب وما بين حبسة وحبسة فعل مقاوم، نذر نفسه وأخاه (نائل بأربعة عقود في سجونهم) وأمه وأباه من قبل، وولده وبنيه من بعد (صالح شهيدا وعاصم مؤبدا)، عمر ومحيط عمر كله قضية واحدة ملتحمة التحاما كاملا مع فلسطين وقلبها النابض بيت المقدس، بل إن بيت المقدس وأكناف بيت المقدس اجتمعت كلّها في صدر عمر.
ويأتي الاحتلال بعد مسيرة هذه الأمة المتمثلة في رجل ليعقد محكمة على رأسها قاتل سفّاح غارق في الدماء البريئة حتى النخاع، محكمة من الذين بنوا بنيانهم على ارض اغتصبوها واكلوا وشربوا وتنعموا مما نهبوا وسرقوا، هؤلاء من حثالة بشر يريدون محاكمة من يكشف سرّ حقيقتهم ويظهر على الملأ شرّ سوأتهم وعظيم جريمتهم. من يحاكم من؟ والله إنّي لأرى قاضي هذه المحكمة هذا الشيخ بكوفيته الحمراء وشموخه العالي وإشراقة وجهه الجميلة وعيونه التي تشعّ بالخير والفضيلة، يقيم عليهم الحجة بمجرّد وجوده في هذه المحكمة، يكشف كم هي محكمة مهزلة! وكم هي مجرمة ومقيتة! وكم هي تافهة وحاقدة وسفيهة! من يحاكم من؟ عمر يحاكمكم ويكشف حجم جرائمكم ويظهرهم للعالم الحرّ كم هم عراة من كلّ القيم الإنسانية! عراة من كل صفات المروءة والرجولة، لا تاريخ لكم لا مشرّف ولا غير مشرّف، ولا حاضر لكم الا ما تمارسونه من ظلم وطغيان، ولا مستقبل لكم إلا ما جنت أيديكم وما ستعود عليكم من وبال جرائمكم. عمر يكشف للناس أجمعين أن لا مستقبل لهذا الطغيان الا مزابل التاريخ وأن صفحتكم السوداء ستطوى قريبا.
عمر في هذه المحكمة يبتسم ويشعّ نورا كالشمس إذا أشرقت فلا يسع للظلام إلا أن يتوارى ويندحر بعيدا، عمر يرى به كلّ أحرار العالم سيّد الحق ونور العدل وشرف الحقيقة, وصدق أهل فلسطين مع قداسة قضية وروح وطن عظيم يحمله في قلوبهم أناس عظام، عمر بنوره الجميل يبدّد ظلام الاحتلال وينذر بزواله وقرب هزيمته على أرض الرسالات وملتقى الحضارات، رصيده يوشك على النفاد وسوء عاقبته تتسارع يوما بعد يوم نحو سنن الحياة التي تعلوا دائما ولا يُعلى عليها: (إنه لا يفلح الظالمون) .
ويقف عمر بيمينه شهيد وبيساره أسير وعلى جبينه عميد حركة الاسرى الاحرار في فلسطين، من عمق هذه المحكمة التي يحاكم بها هذا الاحتلال الأسود وبهذا المشهد العظيم يودّ كل من انحاز ووضع نفسه في درك الأسفلين أن يتوارى من سوء ما فعل، يودّ جواسيس العرب والخليج أن يفرّوا من هذا النور وأن يتواروا ويبتعدوا قليلا عن مرمى هذا النور الساطع، تماهى إبليس فيهم وأصبحوا على مرمى رجم عمر، عمر يرجمكم بجمرات شداد كما يُرجم ابليس يوم الحج الأكبر، فأين تذهبون وكيف تتوارون من سوء ما فعلتم وارتكبت أيديكم؟
عمر يمثّل صورة فلسطين القضية المركزية للامة، يقف منافحا نيابة عن هذه الأمّة بأكملها على بوابة المسجد الأقصى في وجه قطعان المستوطنين، عمر من قلب هذه المحكمة يكشف كم أنتم مقصّرون ومتآمرون ومنبوذون يا أمراء الذلّ وعار التطبيع مع المغتصب المجرم، أنتم يقول لكم عمر لا خلاق لكم ولا نصيب من هذا الشرف العظيم أن تكونوا مع الأقصى وفلسطين، أنتم يا من ربطتم مصيركم بمصير المحتلّ سيكون مصيركم ذات المصير، مصير كل الطواغيت الذين طواهم التاريخ في سلّة مهملاته، عمر بنوره الذي يدخل قلوب الشعوب الحرّة البريئة ، يستقرّ في أعماقها ليحرّك ما فيها من خير وفضيلة، يعمل عمله بهدوء ليشعل فتيل ثورة، حتما ستتحرّك إرادة حرّة قوية وستلفظكم كما يلفظ الماء العذب كدره وما فيه من زوان الأرض.
البرغوثي من منصة محكمته يحاكم الاحتلال ويحاكم كل من بسط يده للاحتلال، كلهم في قفص الظلم الأسود المقيت، وعمر يكتب تاريخا مشرقا للعالمين.