فلسطين أون لاين

هل يمكن وقف الانهيارات السياسية المتلاحقة؟

لا أظن ذلك، فلا يمكن في هذه المرحلة أن نوقف الانهيارات السياسية التي تعصف بالبلاد العربية، فالهاوية التي تتدحرج إليها الأنظمة بلا قرار، ولا بد من استكمال السقوط حتى الارتطام، وتكسر ما ظل متماسكًا من ألفاظ بلاغية عن الموقف العربي الموحد، وعن الحل العادل، وعن حل الدولتين، وعن التطبيع مع الحفاظ على حقوق الشعب الفلسطيني، فهذه اللغة المخدرة يجب أن تنتهي، وأن نواجه نحن الفلسطينيين الواقع بجرأة وشجاعة، وأن نعترف بأننا أمام مرحلة جديدة، صار فيها السري علنيًّا، حتى زعم ترامب أن العلاقة التطبيعية بين البحرين وإسرائيل قد تمت من خلال مكالمة هاتفية فقط!

لقد أملت المتغيرات الإقليمية أجندتها على دولتي الإمارات والبحرين، وصار من غير المجدي الانتقاد والشجب والرفض وسحب السفير، فكل هذه الجمل الرنانة ما عادت تخيف، ولن تعدل من قناعة سياسية وصلت إليها الأطراف المطبعة مع إسرائيل، فالعلاقة بين الأنظمة المطبعة والصهاينة أعمق وأقوى من علاقة الأنظمة بالشعوب العربية عامة، وبالشعب الفلسطيني خاصة، فالمسألة تتعلق ببقاء النظام، واستمراره في الحكم، وفي القيام بدوره الوظيفي الذي ارتضاه لنفسه، فمن المعيب أن نظن أن مكالمة هاتفية فقط هي التي أنجزت علاقة دبلوماسية، فالإعلان عن الزواج لا يأتي إلا بعد سنوات من الحب والتواصل والوداد.

وحتى هذه اللحظة، فلم يعلن أي طرف وقع اتفاقية مع الإسرائيليين أنه سيلغيها، وعليه فإن أي مناشدة لدولة الإمارات ودولة البحرين لن تنثي أيهما عن مواصلة المشوار الذي بدأه غيرهما، لذلك فإن الوقوف في طابور المنتظرين، وإصدار بيان شجب وإدانة أو سحب السفير فيه خطل كبير، فالضرورة تقضي بألَّا نقف عاجزين صامتين منتظرين، الضرورة تقضي بأن نفعل، نحن الفلسطينيين، وأن نغضب، وأن نقلب الطاولة، وأن نبدأ المواجهة على الطرق الالتفافية للمستوطنين، وفي مقرات الجيش الإسرائيلي المحتل، وقتئذٍ تصل صرخة الغضب الفلسطينية إلى داخل القصور الملكية، وإلى أروقة الجامعة العربية، وإلى البيت الأبيض، ودون ذلك، فالبكاء على الميت لن يعيد له الحياة.

دولة الإمارات لن تتراجع عن خطوات التطبيع، والبحرين تسير في فلكها، والسعودية موجه ومرشد ومحفز للجميع، ولا سيما بعد أن صار مصير حكام العرب ومستقبلهم مرتبطًا بنجاح مشروعهم التدميري لمقدرات الأمة العربية، والذي تمثل فيه دولة الإمارات رأس حربة، وهذا المشروع التدميري يصب في خدمة المشروع الإسرائيلي، من هنا فإن طعن المشروع الإسرائيلي في الخاصرة الأمنية، يعد طعنة نجلاء في صدر المشاريع التدميرية التي تقودها الإمارات، لأن إشغال العدو الإسرائيلي بنفسه، وتحسس أوجاعه كفيل بأن يشغله بنفسه ولو قليلًا، وهذه هي الطريقة المثلى لكف يد الإمارات عن العبث بأمن الشعوب العربية، والحكمة تقول: إن ضرب الرأس أهم ألف مرة من ضرب الأطراف وأوجع، والرد من خلال خلخلة الاستقرار الأمني للإسرائيليين أكثر جدوى من سحب السفير، ومن بيانات الشجب والاستنكار.

الشعوب العربية تقرأ الواقع جيدًا، وهم على أحر من الجمر، إنهم ينتظرون شرارة البدء من أرض فلسطين، فهل نخيب آمالهم، أم نكون الصدى لأحلامهم؟