فلسطين أون لاين

غزيون يرون لـ"فلسطين" مشاهد مروعة من جرائم الاحتلال

"مستوطنات غزة" .. إرهاب إسرائيلي يومي انتهى "بلا رجعة"

...
غزة - يحيى اليعقوبي

على أصوات إطلاق النار ينامون ويستيقظون، صوت محركات الدبابات لا يهدأ، قباب فوق أعمدة مرتفعة تراقب تحركاتهم ليل نهار وتشهر رشاشاتها الآلية أمام أي جسم يتحرك؛ بعد السادسة مساءً إذ يبدأ حظر التجوال ويمنع الخروج من المنازل، وتصبح تكلفة الخروج حتى لو إلى مشفى مكلفة جدًّا قد يدفع المواطن حياته ثمنًا لها وهناك من دفعها؛ هذا جزء من معاناة المواطنين في قطاع غزة الذين كانت مستوطنات إسرائيلية تجثم بجوار أماكن سكنهم وعلى أراضيهم قبل دحرها عام 2005م.

"كان الوضع سيئًا جدًّا، كنا نلتزم البيوت قبل غروب الشمس، العيش بجانب المستوطنة مرعب؛ فأنت طوال الليل تسمع إطلاق النار العشوائي لإرهاب الغزيين" إضافة إلى ما يقوله أبو يوسف أبو عويلي (43 عامًا) كان لا يوجد خدمات بلدية واتصالات لقيام جرافات الاحتلال بتجريف الأعمدة وعدم تمكن البلدية من الوصول إليها.

يعود لتلك اللحظات: "كان الاحتلال يطلق النار عشوائيًّا على أي هدف أو شيء يتحرك، حتى إنك لا تسطيع الوقوف بجانب النافذة حتى لا يطلق النار عليك".

في جعبته مواقف عدة ينتقي بعضًا منها: "حدث مرة ليلًا أن اقتحمت دبابة منازلنا وحاصرت بيتنا، وأمرت الجميع بالخروج من المنزل لتفتيشه، لك أن تتخيل مدى الرعب والخوف اللذين عشنا فيهما حينها (...) أذكر أنهم أطلقوا النار على ابن عمي وأصيب ثم استشهد، وكذلك هجوم قطعان المستوطنين علينا، برفقة قوات الجيش، وحاولوا حرق بيتنا إلا أننا تصدينا لهم".

"كذلك الإزعاج الذي تعيش فيه بسبب صوت الدبابات والجرافات ليل نهار لحراسة المستوطنات", فمثل دحر الاحتلال عن قطاع غزة خبرًا سعيدًا لأبو عويلي وجيرانه، معه انتهت المعاناة التي كانوا يعيشون، "تمكنا لأول مرة من دخول الأراضي التي كانت تقام عليها المستوطنات، وفتحت الشوارع المؤدية إلى البحر بعد أن كنا لا نستطيع الذهاب إليه إلا من مدينة غزة فقط وأصبحنا نسبح ونستمع بالبحر" يستذكر أبو عويلي.

آثار ورصاص

١٥ عامًا مرت وما زالت آثار رصاصات جاثمة على جدران حجارة منزل محمد أبو مغصيب (39 عامًا) تذكره بـ"الذي مضى"، كلما نظر إلى الثقوب العديدة التي تخترق الجدران؛ أعادته إلى ما قبل عام 2005م، ومعاناته اليومية من مستوطنة "غوش قطيف".

"ولدت بالمنطقة المحيطة بمدينة حمد في محافظة خان يونس، وكان الاحتلال يقيم على أراضي شاسعة مستوطنة "غوش قطيف"، في آخر خمس سنوات زاد الاحتلال من تغوله علينا؛ فكنا لا نستطيع الخروج من المنازل بعد السادسة مساء" يرحل بصوته إلى تلك الأيام التي أفلت عن واقعه "بلا رجعة" لكنها بقيت محفورة في ذاكرته.

هنا؛ تفاصيل لا تنسى: "في أحد الأيام كنا نلعب كرة القدم، وفي أثناء اللعب أطلق جنود الاحتلال من داخل المستوطنة رصاصًا عشوائيًّا نحونا، فأصيبت امرأة كانت تقف أمام منزلها، حتى إننا وجدنا صعوبة في نقلها وإسعافها إذ سرنا حتى شارع صلاح الدين إلى أن أسعفناها".

يضيف: "قبل قدوم السلطة الفلسطينية لقطاع غزة، كانت المستوطنات المحيطة بنا متفرقة، وكنا نستطيع الوصول إلى البحر من الطرق الفاصلة بينها، أو رعي الغنم في الأحراش أو على شاطئ البحر".

لكن بعد قدوم السلطة، تجمعت كل المستوطنات تحت سياج واحد، وأصبحت تسمى "غوش قطيف"، وأقام الاحتلال أبراج حماية مرتفعة تكشف التحركات حولها، وحرم أهالي محافظتي خان يونس ورفح البحر: "لا أنسى أحد أبناء جيراننا شابًّا مضطربًا عقليًّا خرج بعد المغرب من منزله، وعلى الفور أطلق جنود الاحتلال النار عليه فاستشهد".

عاش أبو مغصيب وجيرانه أوقاتًا عصيبة بسبب المستوطنات؛ يكاد يكون روتين الحياة شبه يومي، يعيشون برعب وخوف، لا يعرفون الضحية القادمة منهم، بصوت مسكون بمعاناة الماضي يستذكر: "مرارًا وتكرارًا كانت تأتي دبابات الاحتلال وتحاصر البيوت ويفتشنا الجنود".

كادت هنا تحدث جريمة مروعة: "في إحدى المرات ونحن نصلي جماعة في ديوان مفتوح، وقفت الدبابة أمامنا وأطلقت النار عشوائيًّا من فوق رؤوسنا".

كيف تغيرت حياتكم بعد دحر الاحتلال؟، بعد أن زفر كل معاناة الماضي تغافله ابتسامة هنا: "صار في حرية تروح وين ما بدك، إنت لما تكون بحريتك بتكون ملكت الدنيا، بعد ما كنت ممنوع تطلع بعد الساعة ستة، وإذا كان إلك مشوار بعيد بتعمل حسابك إنك تكون موجود بالبيت قبل المغرب".

الآن أقيم على أراضي تلك المستوطنة التي حررت مشروع سكني كبير (مدينة حمد) يؤوي آلاف السكان ويضم مساحات لعب خضراء، يذهب أبو عويلي وأبو مغصيب وعائلاتهم إليها، يعيشون بحرية كاملة دون قيود، اختفت أصوات إطلاق النار، فأصبحت المنطقة شديدة السكون والهدوء، يصلون إلى البحر خلال خمس دقائق دون معوقات.