أحسنت صنعاً قيادة غزة حتى هذه اللحظة، فقد أشغلت الإسرائيليين لأكثر من ثلاثة أسابيع بالبالونات والإرباك الليلي دون أن تعطي فرصة للعدو الإسرائيلي ليطور الأمر إلى مواجهة، لا يسعى إليها طرفا الصراع في المرحلة الراهنة.
بإمكان غزة أن تشاغل الإسرائيليين فترة أطول، وأن تستنزف راحتهم ومواردهم من خلال البالونات، فالعدو الإسرائيلي يعرف جيداً أن خلف كل بالون صاروخا، وأن البالونات الهوائية قد تصير تفجيرية في كل لحظة، ولكن التدرج في استخدام القوة صفة العقلاء، وعدم حرق المراحل، والتعامل بحكمة مع كل جديد أمر يجب أن تأخذ به قيادة غزة، لا سيما أننا مقبلون على متغيرات استراتيجية تتجاوز حدود فلسطين، وتتعدى المحيط العربي، فالإقليم برمته مقدم على تفاعلات ومستجدات تفرض على رجال غزة قراءة الواقع بتأنٍ ورويَّة، وعدم الانجرار لردة فعل غاضبة أو متسرعة أو انفعالية، ودراسة الواقع بكل أبعاده السياسية والعسكرية والاستراتيجية والاقتصادية، ففي كل تأخير خير، والتأني من صفة الحكماء، والعجلة من شيطان التسرع، فطالما امتلكت المقاومة ناصية أمرها، وأطبقت بكلتا يديها على قرارها، فلا خوف عليها اليوم، ولا خوف على مستقبل الشعب الفلسطيني.
اليوم الثلاثاء 1/9 يبدأ العام الدراسي في دولة الصهاينة، ومن الأهمية للقيادة الإسرائيلية أن ينتظم العام الدراسي بلا إرباك، وبلا مواجهات، ومن الأهمية للإسرائيليين ألا يفسد رجال غزة عليهم نشوة الفرح بعلاقات التطبيع مع الإمارات، ومن الأهمية بالنسبة للإسرائيليين ألا تنده صفارات الإنذار على الجمهور للنزول إلى الملاجئ، وفيروس كورونا يكمن لهم في كل زاوية، وهذه كلها أوراق قوة في يد رجال المقاومة، يمكن العزف على أوتارها لفترة زمنية أخرى، تضغط على عصب التوتر والضجر لدى الصهاينة، حتى يملوا الانتظار.
وحتى هذه اللحظة، فقد أحدثت البالونات الحارقة مفعولها رغم صغر حجمها، ورغم تطايرها في الأجواء حسب الريح، إلا أنها شكلت إزعاجاً حقيقياً، وخربشت نمط الحياة السائد والآمن للمستوطنين في جنوب فلسطين المحتلة، ولولا البالونات الحارقة لما هرع وفد المخابرات المصرية إلى غزة، ولما واصل السفير القطري العمادي جهده لتحقيق التهدئة، فالمتغيرات الميدانية التي أحدثتها البالونات أمست مطروحة على طاولة المفاوضات، وهذه إحدى إبداعات غزة، التي طعنها فيروس كورونا في أحرج اللحظات.
لقد دل تطور الأحداث الميدانية في الأسابيع الأخيرة على أن غزة التي تواجه الاحتلال والحصار، وتناوش المستوطنين على مدار الساعة، لم تستسلم للوباء، فطواقمها الطبية وأجهزتها الأمنية تعمل بيقظة ووفاء على مدار الساعة، وتقاتل كورونا بكل عزم، مثلهم مثل رجال المقاومة الذين يقاتلون الاحتلال، وهذه العزيمة لا تأتي من فراغ، ولا تنمو في المجهول، هذه العزيمة تنبع من بئر القناعة بأننا أصحاب الحق بأرض فلسطين، وأننا نقاتل مع الحق، وأن لنا الحق في الحياة بحرية وكرامة رغم أنف الغاصبين.