اتفقت الفصائل الفلسطينية في العام 2011 في مدينة القاهرة فيما عرف وقتها باتفاق الوفاق الوطني فيما اتفقت عليه، أن يدعو الرئيس أبو مازن قادة الفصائل الفلسطينية للاجتماع فيما سمي بالإطار القيادي المؤقت، وهو مصطلح للدلالة على الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية بما يشمل حماس والجهاد الإسلامي، وذلك كخطوة أساسية في سبيل إنهاء الانقسام الفلسطيني والاتفاق على رؤية وطنية جامعة من قبل الجميع، انفض اجتماع الوفاق الوطني ومرت سنوات تخللها اتفاقيات جديدة بعد ذلك كان أهمها اتفاق الشاطئ في العام2014 وقد نتج عن اتفاق الشاطئ تشكيل حكومة الوفاق الوطني كخطوة أولى من تنفيذ اتفاقية القاهرة 2011 والتي كان من ضمنها كما أسلفنا دعوة الأمناء العامين للفصائل للاجتماع، ثم وقعت في القاهرة2017 اتفاقية جديدة جاءت كاتفاقية تنفيذية لاتفاق الشاطئ 2014، وقد فشلت حكومة الوفاق في أداء مهمتها الإدارية, حيث اتفق على أن تكون حكومة دون برنامج سياسي تتركز مهمتها في هدفين أساسيين وهما التحضير للانتخابات وتوحيد المؤسسات الفلسطينية، وكان يفترض تنهي هذه الحكومة مهمتها خلال ستة أشهر فقط، الا ان هذه الحكومة فشلت في تحقيق مهمتها رغم استمرارها لمدة4 سنوات كاملة والسبب هو رغبة الحكومة ومن خلفها أبو مازن بتكريس عقلية التفرد التي مارسها بالضفة من خلال استخدام مصطلح التمكين، ومن ثم شكل أبو مازن حكومة اشتية المستمرة حتى هذه اللحظة، وخلال هذه الفترة ( منذ اتفاق المصالحة 2011) قام أبو مازن باتخاذ خطوات سياسية ذات أبعاد استراتيجية على القضية الفلسطينية، منها التقدم بطلب للجمعية العامة للأمم المتحدة لقبول فلسطين عضو فيها، ولكن الأمر نجح جزئيا وأسفرت كل المحاولات عن قبول فلسطين عضوا مراقبا فقط، كذلك أقدم أبو مازن على تشكيل المحكمة الدستورية, ثم أقدم على حل المجلس التشريعي, بعد أن عطله بقرار منه منذ العام 2007وأصدر العشرات من القوانين بعضها على قدر كبير جدا من الأهمية مثل تعديل قانون السلطة القضائية.
اتخذ أبو مازن كل هذه الخطوات التي تؤثر جوهريا في الصراع الفلسطيني الصهيوني دون أن يفكر في دعوة الإطار القيادي للتوافق على هذه الخطوات المصيرية رغم الدعوات الحثيثة والمتكررة من كل الفصائل الفلسطينية لهذا الاجتماع، وتفرد أبو مازن بالقرار السياسي طوال تلك الفترة وكأن القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني مرهونان بالرؤية الفردية لأبي مازن والفريق الذي يعمل معه.
الآن وبعد حوالي تسع سنوات من اتفاق 2011، وبعد أن جرى في النهر ما جرى من مياه، وبعد أن وصلت الأمور إلى حافة الهاوية إن لم تكن هوت فيها أصلا، فترامب نقل السفارة الامريكية للقدس بعد أن اعترف بالقدس عاصمة للاحتلال، ثم أعلنت إدارته عن صفقة القرن التي تنسف حل الدولتين الذي قام عليه مشروع أوسلو الذي هندسه أبو مازن، وعليه بدأ نتنياهو باتخاذ الإجراءات القانونية لضم الضفة الغربية، وبعد أن لاقت صفقة ترامب تأييداً من عدد لا بأس به من الدول العربية بشكل خفي، الامر الذي ما لبث ان أصبح علنا بإعلان الإمارات عزمها التطبيع مع إسرائيل من خلال اتفاقية ( سلام) سمتها (اتفاقية إبراهيم) نسبة لأبي الأنبياء عليه السلام، في محاولة لإضفاء بعد تاريخي ( سمج) على هذه الاتفاقية، فإبراهيم أب لكل من إسماعيل وإسحاق، وإسماعيل أب العرب وإسحاق أب اليهود، وبذلك تتحقق ( صلحة أبناء العم) كما في العرف العشائري، الإمارات بهذه الاتفاقية طعنت الموقف الفلسطيني المستند للموقف العربي المجمع على المبادرة العربية، والتي تقضي بعدم التطبيع مع الاحتلال إلا بعد أن تنفذ إسرائيل التزاماتها تجاه الفلسطينيين، الخطوة الإماراتية شجعت بعض الدول العربية لرفع رأسها من تحت الطاولة للإعلان عما مارسته تحتها، بشكل يوحي بأن التطبيع مع الاحتلال رغبة جامحة لدى هذه الدول، ولكل دولة أسبابها التي لا تعبر بالمطلق عن نبض الشعوب ولكنها بالتأكيد تعبر عن مصالح الحكام، وبعد أن رفض الأمين العام للجامعة العربية أبو الغيط الدعوة لعقد اجتماع طارئ للجامعة العربية لبحث الخطوة الإماراتية بناء على طلب فلسطيني، بعد كل هذه الأحداث الجسام، وبعد أن شعر أبو مازن أن ظهره أصبح ملتصقا بالحائط، قرر أن يدعو لاجتماع الإطار القيادي الذي تأخر بالدعوة اليه تسع سنوات، وحسب ما أُعلن فإن اللقاء سيكون الخميس المقبل.
على أية حال ان يأتي هذا الاجتماع متأخرا خير من ألا يأتي كما يقال، ولكن الأهم من الاجتماع بعد كل هذا الوقت وكل هذه الاحداث وكل هذا التفرد بالقرار، أن تكون مخرجات الاجتماع على مستوى هذه التحديات العظام، لمواجهة مخطط التصفية للقضية الفلسطينية الذي شُرع في تنفيذه منذ زمن، ولا يزال رد الفعل الفلسطيني الحاسم متأخرا جدا عن وتيرة تنفيذ المخطط، وكل ذلك بسبب التفرد والهيمنة التي مارسها أبو مازن حتي الامس القريب، ونتمنى الا تكون هذه الدعوة شكلية الهدف منها إظهار محمود عباس متحزما بالإجماع الفلسطيني ومن ثم ينفض الاجتماع ليعود أبو مازن لممارسة التفرد والهيمنة وتعطيل الحياة السياسية الفلسطينية بنفس الكيفية التي مارسها بالسابق، ما ينمي هذا الشعور لدينا أن أبا مازن حتى اللحظة لم يرفع العقوبات عن عزة، ولم ينفذ بشكل واضح وصريح مقررات المجلس المركزي الفلسطيني، ولم يتخذ أي خطوة من شأنها تعزيز الثقة بأن عقلية التفرد والهيمنة التي كانت مسيطرة على تفكيره قد انتهت، فحذار من أن يكون اجتماع قادة الفصائل دون المستوى المطلوب، فالخرق اتسع كثيرا على الراقع، ولم يعد هناك مجال لممارسة الألاعيب السياسية، فمستقبل القضية الفلسطينية وكفاح شعبنا وتضحياته منذ مئة عام على المحك، والفلسطيني ينتظر من هذا اللقاء الكثير وعلى وجه الخصوص الخروج بالقرار الذي يتناسب مع المرحلة، وهو انهاء الانقسام بشكل واضح، والاتفاق فورا على تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم كافة القوى الفلسطينية، ووضع برنامج وطني للتصدي للخطوات الامريكية المتبوعة بخطوات عربية لتصفية القضية الفلسطينية اعتمادا على قوة وعدالة قضية شعبنا، والتاريخ شاهد عدل علينا، فإما ان تكون شهادته صفحة مضيئة من صحائفه، وإما أن تكون صفحة مظلمة ملعونة.. ولنا الخيار.