فلسطين أون لاين

التصدي لفيروس "كورونا" من منظور شبابي

...
م.تيسير محيسن


على الرغم من الاستعدادات المسبقة والتهيؤ الفني واللوجستي فإن الفيروس، القادر على إحداث انعدام اليقين في مسارات تطوره وانتشاره، باغت غزة المحاصرة عشية فأصبحت واجمة، وبعد أن كانت تحاصره خلف أبواب المحاجر، إذا به يتنقل بين الناس في أزقتهم ومحالهم التجارية وأماكن عملهم ومستشفياتهم ويلزمهم بيوتهم ويباعد بينهم ويقلص حركتهم إلا ما كان منها للضرورة القصوى. 

في مقال اليوم نتناول واقع الشباب ارتباطا بتداعيات الوباء وتأثيراته المحتملة (60% من سكان القطاع من الشباب). الشباب أقل عرضة للإصابة بالفيروس وأسرع تعافيا منه، إلا أن الضرر الناجم عن تدابير الاحتواء والتأثيرات الاقتصادية والاجتماعية؛ كما بينت التجربة، يعتبر أشد وقعا عليهم. ضرر آخر مرتبط بالانقطاع عن التعليم الوجاهي واستبداله بأنماط ووسائل جديدة "التعليم عن بعد" أو التعليم في المنزل أو عدم التعليم وانعكاسات ذلك كله على تنمية الموارد البشرية. 

في سياق "الحد من مخاطر الكوارث" DRR، يمكن لإشراك الشباب ومنظماتهم في المواجهة أن يعزز بناء الثقة، ويولد لديهم اهتماما بالسياسات ودمج اعتباراتهم في استراتيجيات الاستجابة للأزمات والتغلب عليها والتعافي منها. اقترن تفشي "كورونا" في العالم بزيادة التضامن معبرا عنه بالعمل التطوعي، وخاصة في أوساط الشباب؛ الذين أبلوا بلاء حسنا في جهود المكافحة. 

يتميز الشباب بالقدرة على توليد الأفكار وتطويرها، وتنفيذ المبادرات الطوعية والإبداعية في قطاعات مختلفة مثل الصحة والوظائف والأمن الغذائي والتعليم. إنهم عوامل التغيير الأساسية؛ ولذلك يجب منحهم الفرصة والدعم للمساهمة في الحد من مخاطر الكوارث. يؤكد إطار سنداي على دور الشباب وأصحاب المصلحة الآخرين في جعل العملية ناجحة؛ من حيث تشجيع المشاركة والشراكة، وتعزيز التمكين وقيادة النساء والشباب وإيلاء الاهتمام الكافي لتحسين العمل التطوعي.

قبل ظهور كورونا على مستوى العالم، كان الشباب (تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاما) أكثر عرضة للبطالة ثلاث مرات مقارنة بالبالغين، بينما كان 126 مليون عامل شابا في فقر مدقع. يشغل العمال الشباب غالبا وظائف غير مستقرة؛ هذا ويعمل حوالي 77% منهم بشكل غير رسمي على مستوى العالم. 

شهد النظام الاجتماعي الفلسطيني في العقد الأخير تحولات وتغيرات كبرى كان لها، تأثير فادح على الاقتصاد والمجتمع والسياسة. فاقمت هذه التحولات معدلات الفقر والبطالة وزادت المعاناة والبؤس. في قطاع غزة كان الشباب الأكثر تضررا وانكشافا؛ من حيث انعدام الأمن الشخصي والمجتمعي، نقص الحاجات الأساسية (المادية والنفسية والاجتماعية)، ضعف الحماية الاجتماعية، الحرمان من القوة السياسية، تقلص خيارات التكيف. حتى قبل تفشي كورونا سجلت نسبة عالية من البطالة في صفوف الشباب وخصوصا خريجي الجامعات والمعاهد والكليات وبرزت لديهم ميول نحو الهجرة والانتحار والانكفاء. 

مع ظهور الفيروس وانتشاره الواسع في أنحاء العالم؛ كثرت الكتابة حول تأثيراته المباشرة وغير المباشرة، الواقعية والمحتملة، على مختلف الفئات والقطاعات وذلك بالعودة غالبا إلى تجارب سابقة مماثلة علاوة على استقصاء حقائق ما يجري على الأرض والتعلم السريع من الخبرة العملية. 

يشكل الوباء بالنسبة للشباب، وخاصة الضعفاء، مخاطر كبيرة في مجالات التوظيف والصحة العقلية والدخل والتفاوت (انعدام المساواة والتمييز) واضطرابات التعليم والعلاقات الأسرية والصداقات، فضلاً عن تقييد الحريات الفردية والوصول إلى المعلومات الموثوقة، كما إن للوباء تأثيرات ضارة على التضامن والعدالة بين الأجيال. وكما بات معروفا، ثمة مجالان للقلق والخوف: الصحة بأبعادها المختلفة، الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والانعكاسات النفسية. 

بالنسبة للشباب المخاوف الصحية أقل أهمية؛ يحملون الفيروس وينقلونه بينما قد لا يصابون بالمرض أو تظهر عليهم أعراض الإصابة متأخرا، أو إذا أصيب أحدهم سرعان ما يتعافى منه، نظرا للمناعة الفسيولوجية. ومع ذلك، قد يكون للأزمة وتدابير الحماية والاحتواء، وما ينجم عنها من توترات، تأثيرات على الصحة النفسية والعقلية.  
   
التأثيرات الاقتصادية أشد وطأة؛ من حيث مفاقمة الانكشاف الحالي في أسواق العمل، حيث أنهم يعملون غالبا في وظائف غير قياسية (مطاعم وفنادق، بيع متجول، محلات الألبسة والأحذية، ورش العمل،..) عملا مؤقتا أو بدوام جزئي، وبالتالي يواجهون مخاطر أكبر بفقدان الوظائف والدخل والتسريح. كما إن الشباب الخريجين في أوقات الأزمة سيجدون صعوبة أكبر في العثور على وظائف ودخل لائقين.

أما بخصوص التعليم؛ فقد أثر إغلاق المدارس والجامعات على الأطفال والشباب وغيّر بشكل كبير طريقة عيشهم وتعلمهم وربما أورثهم: كسلا عقليا، وعزوفا اجتماعيا، مع فقدان الرغبة والهمة، وزيادة مخاطر واحتمالات الانسحاب والتسرب من التعليم والتدريب...). بالطبع، سيكون لذلك آثار اقتصادية واجتماعية كبيرة وبعيدة المدى في تنمية رأس المال البشري وبالتالي انخفاض الإنتاجية والنمو. كما تبين أن البدائل الأخرى غير عملية وغير متاحة للكثيرين (الفجوة الرقمية) علاوة على الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي والتكلفة العالية للوجستيات المساعدة والمطلوبة. 

في مجال العلاقات الاجتماعية والأسرية، لوحظ أن للتباعد الاجتماعي والحجر الصحي تأثيرات نفسية على الشباب (انعدام اليقين والتوتر والقلق والشعور بالوحدة). في كثير من الحالات تزايدت حالات التعرض للعنف المنزلي وضحاياه من المراهقين والأطفال والنساء. كما إن الانقطاع عن التعليم يؤثر على الصحة العقلية من حيث الافتقار إلى الدعم الاجتماعي والعاطفي من الأقران والمعلمين. إلى ذلك، التأثيرات الاقتصادية السيئة سيكون لها ترجمات اجتماعية (الخوف من المستقبل، تضرر رفاهية الأسرة، زيادة التمييز داخل الأسرة بين الجنسين أو بين الأجيال وهكذا).

خلال الشهور الست الأخيرة تمكن قطاع غزة من محاصرة انتشار الفيروس لكنه لم يتمكن من تجاوز تداعياته على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية وخصوصا مع استمرار عوامل التهديد الأخرى: الاحتلال وممارساته، الانقسام وتداعياته، شحة الموارد مع الزيادة والكثافة السكانية الهائلة...). اليوم ومع احتمالات فقدان السيطرة، وارتباطا بموضوعنا، نعتقد أن الشباب سيواجهون تحديات على مستوى الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية والحماية الاجتماعية وسبل العيش والحفاظ على ما هو قائم منها. في هذه العجالة نقدم بعض المقترحات: 

أولا: تفعيل مبادئ التدخل الفوري والالتزام بها تجاه الجمهور عامة والمعرضين للإصابة خصوصا بما يعزز شعورهم بالأمان، ويهدئ من روعهم ويشيع السلام بينهم، ويزيد من إحساسهم بذواتهم وبفعالية الجماعة والترابط بين أفراد المجتمع والتمسك بالأمل في المستقبل. 

ثانيا: الاستماع للشباب، تنمية قدراتهم وإشراكهم وبناء الثقة في أوساطهم بهدف خلق التأييد وحشد المتطوعين وضمان الالتزام. وتضمين المنظور الشبابي في كل مخططات وتدابير الاحتواء والاستجابة والتعافي وهياكل صنع القرار (لجان الطوارئ)

ثالثا: تبني استراتيجيات تشغيلية تضمن حدا معقولا من الصمود الفردي والمجتمعي (التشغيل السريع والمؤقت في قطاع الزراعة على سبيل المثال). ضمان أن تكون تدابير تخفيف الآثار المالية على الأسر شاملة وكافية لسد الفجوة الناتجة عن فقدان الدخل (برامج تقديم الدعم المالي أو تجميد الالتزامات كسداد القروض ودفع الرسوم، الرعاية الصحية المجانية..). تطوير الاقتصاد الرقمي في مرحلة التعافي. 

رابعا: تعزيز دور المنظمات الشبابية وتشجيع المبادرات الشبابية؛ في: نشر المعلومات بين الشباب للمساعدة في احتواء انتشار الفيروس والمساهمة في التثقيف الصحي والاجتماعي-النفسي، تقديم الدعم للمسنين والفئات الأخرى المعرضة لخطر الإصابة بالعدوى، معالجة الشعور بالوحدة والقلق، وتعزيز التماسك الاجتماعي، تشجيع الابتكار لتطوير حلول تكنولوجية للتصدي للوباء