ما شكل العدوان الذي ازدادت مؤشراته مؤخرًا؟، هل هو عدوان مفتوح، لا خطوط حمر فيه، كما حصل في عام 2014م، أم عدوان محدود (زوبعة في فنجان) تكون قواعد الاشتباك معروفة لكل الأطراف وينتهي بعد أيام قليلة بعد تدخل الوسطاء؟
في تقديري وحسب المدخلات للأطراف المقررة (إسرائيل – المقاومة الفلسطينية) إن سيناريو المواجهة المفتوحة بعيد كل البعد في هذا التوقيت، وربما تتزايد فرص سيناريو التصعيد المحدود، لو اعتمدنا فقط على المدخلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لصانعي القرار في "إسرائيل" وقطاع غزة، لكن المحدد الميداني قد يقلب الطاولة ويأخذ الأمور تجاه سيناريو المواجهة المفتوحة، وسأسرد في هذا المقال مدخلات صانع القرار في "إسرائيل" وصانع القرار لدى المقاومة الفلسطينية، ثم نحدد إلى أين الأمور تسير.
أولًا: سيناريو المواجهة المفتوحة لدى صانع القرار في "إسرائيل"
مدخلات رئيسة في صناعة القرار تساهم في معرفة توجهات "إسرائيل" خلال المدة المقبلة:
1. تاريخ 25/8/2020م الموعد النهائي لإقرار الميزانية، وعليه إن جلسة اليوم الإثنين تحدد مستقبل الحكومة وإلى أين يسير نتانياهو، فإن كان التوجه نحو الانتخابات المبكرة فالسياق التاريخي يقول في ثلاث جولات انتخابية لم يفكر نتنياهو بسيناريو الحرب مدخلًا لتحقيق فوز بالانتخابات، وفي كل مرة كان يقدم نتنياهو التفاهمات على العدوان، وفي حال أقرت الموازنة واستقرت الحكومة فإن الرغبة في احتواء الموقف والتفرغ لمسار التطبيع أكبر بكثير من الدخول في مواجهة تحرج الحلفاء الجدد، إضافة إلى معطيات أخرى في هذا المقال.
2. جدل بين وزارة المعارف الصهيونية ووزارة الصحة بشأن بدء العام الدراسي أفي موعده أم يؤجل نتيجة كورونا.
3. عجلة التطبيع التي تدور سريعًا، وتوقيع اتفاق التحالف بين الإمارات و"إسرائيل."
4. استنزاف منطقة "غلاف غزة" نتيجة البالونات تحديًا لرئيس الحكومة نتنياهو ووزير حربه غانتس وقائد المنطقة الجنوبية الجديد الجنرال نمرود ألوني.
5. انفجار مرفأ بيروت وحالة التفاعل التي تصب في مصلحة "إسرائيل" بشأن جدوى سلاح حزب الله.
6. الانتخابات الأمريكية في نوفمبر المقبل.
7. فيروس كورونا في "إسرائيل" ومدى جهوزية الجبهة الداخلية للتعاطي مع حرب وكورونا في آن واحد.
8. الخشية في حال اتخذ قرار الحرب على غزة أن يتحقق ما يلي:
أ. انتقال المعارك إلى مناطق غير غزة كالضفة الغربية مثلًا.
ب. خسائر بشرية كبيرة في الطرفين لا تحتملها "تل أبيب".
ج. توجه السلطة الفلسطينية لمحكمة الجنايات الدولية.
د. انعكاس الحرب خارجيًّا على أنظمة سياسية صديقة وحليفة لـ"إسرائيل".
ذ. سقوط غزة وانهيار حماس، ما يدفع "إسرائيل" مضطرة لحكم قطاع غزة، وهذا مستحيل أن تقبله "إسرائيل"، ومتيقظتان له مصر والسلطة.
ر. حجم المفاجآت العسكرية التي تحملها الفصائل الفلسطينية.
وفقًا للمعطيات السابقة إن سيناريو المواجهة المفتوحة ما زال بعيدًا في هذه اللحظات، إلا إذا حدث تطور ميداني يتجاوز المقبول من طرف حكومة نتنياهو، فما سيدفع نتنياهو للمواجهة ثلاثة أشياء، هي:
الحراك الشعبي المتزايد لمطالبته بالاستقالة على خلفية قضايا فساد.
البالونات الحارقة وإستراتيجية الاستنزاف التي ينتهجها الشباب الفلسطينيون في منطقة "غلاف غزة"، يصاحبها بعض التنقيط لقذائف محلية هنا وهناك.
استعادة الردع.
ما سبق ممكن تحقيقه بمواجهة محدودة (المعركة بين الحروب) أو بالعودة للتفاهمات، وحتى لا يقع نتنياهو في شرك مواجهة محدودة، فيحدث تطور ميداني يدفع الجميع نحو المواجهة المفتوحة التي لا يريدها أحد، فإن السيناريو الأقرب هو الدفع للتفاهمات مع تعزيزها قليلًا بما يخفف من الحصار، ودون أن يحقق مكاسب كبرى لحماس، على قاعدة مقاربة غانتس/ الحصار مقابل الجنود المأسورين لدى حماس.
ثانيًا: سيناريو المواجهة المفتوحة لدى المقاومة الفلسطينية
حصار قطاع غزة عنصر ضغط على المقاومة لاستخدام كل ما بيدها من أجل كسره، فلم يعد الواقع المعيش يحتمل، وعليه إن المقاومة معنية بتحريك ملف الحصار وخياراتها تنحصر في:
استنزاف طويل لمنطقة "غلاف غزة" بالأدوات الخشنة.
مواجهة عسكرية محدودة أو مفتوحة، في تقديري المقاومة تعمل على تجنب هذا السيناريو، لكن تعاطي الاحتلال مع البالون كصاروخ من شأنه أن يدفع المقاومة للرد – كما جاء في بيان الغرفة المشتركة- وعليه تتدحرج الأمور نحو المواجهة (المحدد الميداني).
قبول الواقع الراهن، وهذا السيناريو أصبح الأضعف مع زيادة في مؤشرات الفقر والبطالة وغيرها من الأزمات.
الخلاصة: المشهد في قطاع غزة يتأرجح بين سيناريو المواجهة المحدودة وعودة العمل بالتفاهمات، وإصرار حماس على مطلب كسر الحصار بالكامل قد يعزز من توجه الذهاب نحو صفقة تبادل للأسرى بديلًا عن مواجهة محدودة تسبق قبول بعض مطالب حماس، فإن تعذر إبرام صفقة تبادل، فسنكون على موعد مع مواجهة محدودة.
ما سبق مرجح لكن سيناريو المواجهة المفتوحة يبقى مرتبطًا بالتطورات على الأرض، ولا أستبعد أن تلعب الأطراف الإقليمية والدولية وظروف موضوعية ذاتية دورًا في تعزيز سيناريو بقاء الواقع على ما هو عليه، لا سيما مع إعلان زيارة مرتقبة للسفير القطري محمد العمادي إلى غزة خلال الأسبوع الجاري.