من المفترض أن الدين رسالة سماوية نزلت لإصلاح شئون الناس كافة، فلا يعقل أبدًا أن يقوم الدين بإصلاح شئون الناس الأخلاقية ثم يترك الحبل على غاربه في الشئون السياسية والاقتصادية والإدارية والتربوية والثقافية، فلا نجد ضوابط وموازين ومبادئ في السياسة ونجد الفساد والانحراف والضلال البعيد في الإدارة حيث السياسة أصلًا هي إدارة مصالح البلد، فنجد في هذه الإدارة كلّ شيء إلا الإدارة الرشيدة الناجحة.
وهذه نتائج لمشكلة كبيرة أحدثها من عمل بطريقة منهجية على قصّ أجنحة الدين وحصر دوره في زوايا ضيقة ليصبح غير قادر على رفع أوضاع الناس وتحسين وتطوير أدائهم في كل شئون حياتهم.
وهكذا في السياسة عملت دول الحكم الشمولي والقهر والاستعباد على استبعاد الدين عن دوره في العمل السياسي، فقط يقوم بتوظيف الدين بطريقته الخاصة ويقحمه عند اللزوم بطريقة فجّة ليخدم مآربه السياسية المنحرفة، فيتم استدعاء الدين ورجاله المحسوبين على سيادته ليملي عليهم ما يريد ويطلب منهم تفصيل رأي الدين على حسب أهوائه ومآربه الفاسدة، فيقوم هؤلاء بليّ أعناق النصوص الدينية وتأويلها تأويلا فاسدا على مقاس سيدهم ووليّ نعمتهم بطريقة آلية يتقنونها بمهارة عالية، فالدين عندهم حسب طلب الحاكم.
هذه حكاية قديمة في تناقض شديد، فتارة يفصلون الدين عن السياسة كما قالها بلسان مبين الزعيم المصري الراحل أنور السادات عدم تسييس الدين، وفي نفس الوقت يسخّر مشيخة الازهر لتدعيم مواقفه السياسية، وهو أيضًا يستخدم الآيات القرآنية عند اللزوم كما قال عندما عقد اتفاقية كامب ديفيد مع دولة الاحتلال "وإن جنحوا للسلم فاجنح لها". فكيف تستقيم الدعوة لفصل الدين عن الحياة السياسية ثم يستدعونه إذا لزم الأمر؟
وقد اعتدنا عند كل انحراف سياسي أو حالة من الدمار السياسي أن يستحضر هؤلاء الحكام الدين ويحركوا علماءهم ليشكلوا دعائم لهذا الدمار فيُظهِرون الدين بصورة يرثى لها ويشوّهون صورته ويجعلون من دوره الايجابي دورًا سلبيًّا مريعًا.
وعندما كان دين القياصرة يوظّف لتخدير الناس وإبعادهم عن الثورة في وجه الظلم والفساد قال "ماو سي تونج" قولته المشهورة: الدين أفيون الشعوب.
ديننا الإسلامي دين ثوري بامتياز إذا سلم من عبث هؤلاء الذين يبيعون علمهم الشرعي للحكام، وديننا يضخّ طاقة هائلة في روح الصادقين في حمله بوعي عميق وفهم دقيق بعيدًا عن أي تحريف وتأويل، وقد عمل هؤلاء الفاسدون الحكام وعلماؤهم على نزع الروح من الدين وتحويله إلى أداة من أدواتهم التي تسهم في ديمومة سيطرتهم واخضاعهم لرقاب الناس. فالدين إما أن يكون ثوريا أو أن يكون أفيونًا ثوريًا بالفهم الصحيح وأفيونًا إذا سلّم الناس رقابهم لهؤلاء العلماء الفاسدين.
ما تقوم به دولة الإمارات وتأويلات مشيختهم الفاسدة، وكل من يقترب من هذه الجريمة التي تجعله مصطفًّا مع الشيطان وأعتى دولة في الاجرام، وكل دولة تسوّل لها نفسها أن تطوف في هذا الطواف، يجب أن يعلم الناس أن الدين من هذا براء وأنه على العكس تماما يثوّر كل الطاقات الكامنة للوقوف في وجه هذا الظلام.