هم ليسوا أسرى تحاصرهم القضبان، هم أجنحة للحرية تخفق بالمجد، فتنهار الجدران، أما الأسرى فهم أولئك القابعون في حضن زوجاتهم بلا مقاومة، أولئك أسرى الأحزان.
هم ليسوا أسرى، فقد كانوا ندًا في الميدان، وأقلقوا أمن الصهاينة، لذلك صاروا في قيدهم كنزًا ثمينًا يحرص عليهم الإسرائيليون، ويحيطون بهم من كل جانب، ويرفعون من حولهم الأسوار، ويلفونه بالأسلاك الشائكة، وأبراج الحراسة، أما أولئك الذين يرفعون الشعارات الثورية المعتقة في الزجاجات، فقد تركتهم إسرائيل يمرحون، ويتملكون، ويسافرون، ويأكلون ويشربون، ويسهلون في التصريحات اللفظية عن الوطن والوطنية.
هم ليسوا أسرى، أولئك الذين يشاركون في التمرد خلف القضبان، وتصدح حناجرهم بالغضب الثوري ضد الظلم والتجبر والقهر الإسرائيلي، وضد النسيان الذي يتعرض له الأسرى، وضد الإهمال والاستخفاف بسيرتهم النضالية، وتجاهل قناعاتهم السياسية التي من أجلها حملوا السلاح، فوقعوا في أسر الصهاينة، والتفت حول زنودهم السلاسل، لذلك قرر الأسرى أن يرفعوا قبضات كرامتهم في وجه الطغاة، لتلوح بالنصر والحرية في سماء كل فلسطين.
هم ليسوا أسرى؛ أولئك الذين يعتمدون في إضرابهم المفتوح عن الطعام على قوة تحملهم للأوجاع، وعلى صبرهم المكابر الذي يصدع في الرأس، ليؤكدوا أنهم قادرون على احتمال استفزازات عدوهم، ومناوراته، وتهديداته، ولديهم الإرادة للتصدي والمواجهة، وهم واثقون بأنهم قد ألقوا بحملهم الثقيل، وأحلامهم العريضة على ظهر الشعب الفلسطيني، جماهير الشعب الفلسطيني هي العنوان الذي تشخص إليه عيون الأسرى من خلف القضبان، فالشعب هو السند الحقيقي للأسرى في إضرابهم، والشعب هو منطلق الرهان لمستقبل القضية الفلسطينية كلها.
إضراب الأسرى عن الطعام لا يخص الأسرى وحدهم، ولا يخص عوائلهم، ولا يخص أمهاتهم وتنظيماتهم السياسية، إضراب الأسرى المفتوح عن الطعام عنوانه الحرية لأسرى الحرية، وعنوانه سحب البساط من تحت أقدام أولئك الذين قصروا بحق الأسرى، فالذي يعجز عن تحرير أسراه هو أعجز عن تحرير شبر من أرض فلسطين العربية، لذلك يستكمل الأسرى مشوارهم النضالي، وينتفضون خلف القضبان من أجل كرامة أمتهم، ليؤكدوا أنهم العنوان الصحيح لأرض فلسطين وسمائها، وأنهم القدس وقضية اللاجئين، وأنهم الشرف الوطني، ومعاني الوفاء.
هذه أيام فخار يتوحد فيها الشعب الفلسطيني بمختلف تنظيماته، هذه أيام مجد تبنيه سواعد الشرفاء من خلف القضبان وعلى اختلاف انتماءاتهم، هذه صرخة عمالقة سيرتعب لها المحتلون أينما اطمأنّوا، لا سيما حين يتردد صدى الصرخة في الجبال الغاضبة، وفي المدن الثائرة، وفي القرى والمخيمات التي تتفجر كرامة وطنية.