تبدو الأوضاع الميدانية الراهنة في قطاع غزة تسير على صفيح ساخن، في أعقاب تشديد الاحتلال الإسرائيلي حصاره الخانق على المواطنين، عبر إغلاق المعابر الحدودية وتقليص مساحة الصيد ومنع إدخال الوقود اللازم لتشغيل محطة الكهرباء الوحيدة، وغيرها من الإجراءات.
وانعكست تلك الإجراءات سلبًا على حياة المواطنين، ما دفعهم للعودة إلى استخدام الأدوات الشعبية السلمية، كالبالونات الحارقة والإرباك الليلي على طول السياج الفاصل شرق القطاع؛ رفضًا لسياسة تشديد الحصار، والمطالبة بتوفير حياة كريمة لهم.
ويهدد الاحتلال عبر قادته، بالرد على إطلاق البالونات، بمواصلة قصف أهداف تابعة للمقاومة، آخرها ما صرح به وزير الجيش بيني غانتس: "حماس سوف تتلقى ضربة عنيفة جدا جراء استمرار إطلاقها البالونات الحارقة والصواريخ باتجاه الغلاف"، وفق تعبيره.
ومنذ عدة أيام تقصف طائرات الاحتلال مواقع تابعة للمقاومة في قطاع غزة، وهو ما دفع الأخيرة أول من أمس، للرد بإطلاق عددٍ من القذائف الصاروخية ضمن معادلة "القصف بالقصف" التي أعلنت عنها فصائل المقاومة.
الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة بغزة، أكدت في تصريح مقتضب أمس، أن المقاومة ردّت وسترد على كل استهداف من الاحتلال لمواقعها أو أي عدوان على أبناء شعبنا، مشددةً على أنها "لن تقبل باتخاذ العدو للأدوات السلمية- كالبالونات وغيرها- ذريعة لقصف مواقع المقاومة".
في ضوء تلك التطورات الميدانية، يبقى السؤال المطروح، هل تتدحرج الأوضاع الراهنة وصولًا لتصعيد قد يكون محدودًا، أم ستبقى الأمور كما هي إلى حين استجابة الاحتلال لمطالب المقاومة؟
مفاوضات بالقوة
الكاتب والمحلل السياسي د. فايز أبو شمالة، رأى أن ما يجري بين قطاع غزة والاحتلال "مفاوضات بالقوة"، أي أن غزة قررت عدم بقاء حالها كما هو.
وأوضح أبو شمالة خلال حديثه مع صحيفة "فلسطين"، أن غزة أرادت إرسال رسائل للاحتلال بأنها في طريقها لتغيير المعادلة القائمة، وضرورة رفع الحصار بالقوة، مشيرا إلى أنها باتت أقوى من ذي قبل، وتستطيع الصمود في وجهه لفترة أطول.
وقال إن بيان الغرفة المشتركة كان واضحا وجريئا، لذلك فإن الاحتلال بين أمرين، إما الاستجابة لشروط المقاومة، أو إجبار المقاومة على الرد على جرائمه في سبيل انتزاع حقها من أنيابه.
ويتفق مع ذلك الأكاديمي والمحلل السياسي تيسير محيسن، حيث أوضح أن تسلسل الأحداث منذ عدة أيام جاء نتيجةً لإدراك فصائل المقاومة بغزة أن الاحتلال لا يزال في مربع التلاعب والتسويف بشأن ما تم الاتفاق عليه لفك الحصار وتنفيذ مشاريع في القطاع.
ورأى محيسن خلال حديثه لـ"فلسطين"، أن هذه القناعة قادت لضرورة تحريك المياه الراكدة وإرسال رسائل متعددة لجميع الأطراف، مفادها أن القطاع لم يعد قادرا على تحمل تلاعب الاحتلال في تنفيذ استحقاقات اتفاق التهدئة.
وأشار إلى أن مماطلة الاحتلال دفعت لتسخين الأوضاع على حدود القطاع، من خلال استخدام أدوات المقاومة السلمية كالبالونات الحارقة وعودة الإرباك الليلي.
وبحسب محيسن، فإن التهديدات المتبادلة بين الاحتلال والمقاومة، تدلل على أن المرحلة ما زالت في مربع "الشد المتبادل" أي أن "العض على الأصابع" قائما، وكلاهما يحاول تثبيت معادلة تحقق أهدافه.
وقال إن الاحتلال يرى أن المقاومة رفعت سقف مطالبها ولا يُمكن تنفيذها، فيما أرادت هي إظهار جهوزيتها للذهاب بعيدا في الاشتباك إذا أصّر على التعنت برفض المطالب.
ورجّح استمرار تستمر الأوضاع على حالها في الوقت الحالي، مع زيادة الإرباك على السياج الفاصل شرق القطاع، إلى حين الاستجابة لمطالب المقاومة، فيما سيستمر الاحتلال باستنزاف مواقفه والرد بالقصف.
السيناريو القادم
وحول السيناريوهات القادمة، رأى المختص في الشأن الإسرائيلي حاتم أبو زايدة، تصعيد المقاومة أدواتها الناعمة "رسالةً للاحتلال أنها لم تعد تقبل استمرار الحصار والمماطلة في تنفيذ اتفاق التهدئة".
وقال أبو زايدة لـ"فلسطين"، إن ما يجري بين غزة والاحتلال "فعل ورد فعل" خاصة في ظل إصرار المقاومة على تنفيذ مطالبها، ورفض الاحتلال لذلك وتنصله من تنفيذ اتفاق التهدئة.
وبيّن أن تصعيد المقاومة في ردها على الاحتلال رسالة له بأنها على استعداد للتصعيد، مرجحا أن تشهد الأيام تصعيدا يستمر لعدة أيام، دون الوصول لحالة حرب، "دون استبعاد فقدان السيطرة وانفجار الأوضاع والوصول لحرب غير متوقعة".
وتوّقع استمرار الاحتلال في المراوغة بتنفيذ مطالب المقاومة، كونه يزعم أنها ثقيلة، مضيفا أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في أزمة لكنه لا يملك اللعب مع غزة، إنما يتجه للتطبيع مع الدول العربية.
وأوضح أن قرار شن الحرب في يد "المؤسسة الأمنية الإسرائيلية"، "لذلك لن تعطي نتنياهو الضوء الأخضر لذلك"، وفق تقديره، لأن نتنياهو يمر في عدة أزمات منها الفساد ومواجهة جائحة كورونا.
وذهب إلى ذلك الكاتب أبو شمالة، حيث رأى أن الأيام القادمة ستحكم مجريات الأحداث، من حيث الخوض في تصعيد أم لا.
ولم يستبعد أن تتدحرج الأمور إلى جولة تصعيد تستمر لعدة أيام "وقد تتطور لحرب مفتوحة تكون كل المدن المحتلة في مرمى صواريخ المقاومة".
ويسود قطاع غزة حالة توتر أمني وميداني منذ أكثر من أسبوع، حيث يشن الاحتلال غارات بشكل شبه يومي؛ بزعم الرد على استمرار إطلاق البالونات الحارقة أو قذائف صاروخية.