ما زالت أصداء الذكرى السنوية الـ15 للانسحاب الإسرائيلي من غزة تهز أركان ووجدان المجتمع الإسرائيلي، بما فيه المؤسستان الأمنية والعسكرية، بعد مرور كل هذه المدة الزمنية، ولا أظن هذا الجرح سيندمل في قادم السنوات.
ما يفتأ الإسرائيليون في كل ذكرى سنوية لهذه الخطوة التاريخية الخاصة بالانسحاب من القطاع، يرون أن الأمر بات ملحاً بالعودة لتفاصيل الخطة، وحيثياتها، ففي مثل هذا الأسبوع من 2005 تم إرسال الجيش الإسرائيلي في واحدة من أكثر مهامه تعقيدًا، وهي إخلاء المستوطنين من القطاع، وتم الانتهاء منها في غضون 8 أيام، ولكن مع بقاء ندوب وجروح في الجسد الإسرائيلي، بسبب ما باتت تسمى "لعنة غزة".
يزداد حرج السؤال وخطورته لدى الإسرائيليين حين ندرك أنه بعد خمسة عشر عاما، ما زالت غزة تشغل بالهم، وصواريخها تهدد تل أبيب، وما وراءها، ما يطرح السؤال: هل كان الانسحاب كارثة أمنية، أم أنه حسن الوضع الأمني للإسرائيليين بعد ذلك؟
صحيح أن المستوطنين، لا سيما أولئك المعارضين للانسحاب من غزة، زعموا في حينه أنهم عاشوا في غزة أشبه ما يكون في "جنة عدن"، رغم أن هذه "الجنة" اعترضتها الكثير من المشاكل والتحديات الأمنية، عبر تطور الأحداث التاريخية المتلاحقة.
بدأ ذلك خلال الانتفاضة الأولى 1987، حين تصاعدت عمليات إلقاء الحجارة وزجاجات المولوتوف، وتوقف الإسرائيليون عن زيارة غزة، وفي اتفاقيات أوسلو 1993، نقلت "إسرائيل" السيطرة على المدن إلى السلطة الفلسطينية، فبدأت ما يصفونها بـ"هجمات الجحيم"، وإطلاق النار على طرق المستوطنات، وبحلول اندلاع الانتفاضة الثانية أواخر عام 2000، تحولت الأمور بالفعل إلى حرب، من خلال تنفيذ عمليات دامية في غزة، وأثمانها دماء إسرائيلية فادحة.
اللافت أن الانسحاب من غزة الذي تم على وقع تنفيذ عدد كبير من العمليات الفدائية، حصل بعد مرور عام على إرسال جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى عملية "السور الواقي" في الضفة الغربية، حين أذهل أريئيل شارون، أبو الاستيطان في المناطق الفلسطينية، "إسرائيل" والعالم بإعلانه فك الارتباط عن غزة، وأرسل الجيش في واحدة من أصعب المهام وأكثرها إثارة للجدل، وهي إخلاء المستوطنين.
منذ 15 عامًا حين وقع الانسحاب الإسرائيلي من غزة، وقعت ثلاثة عدوانات كبرى وعشرات العمليات الخاطفة، لكن صواريخ المقاومة ما زالت تهدد تل أبيب وما وراءها، صحيح أن "إسرائيل" ما زالت تحاصر غزة، برا وبحرا وجوا، وتمنع سكانها من الخروج إلى العالم، لكنها تعلم في الوقت ذاته الشعوب المحرومة تكون أكثر عدوانية، وعندما لا يكون لديك ما تخسره، فأنت على استعداد لخسارة كل شيء، وهذا أهم دروس الانسحاب من غزة!