قال نتنياهو في مقطع فيديو على حسابه في تويتر مخاطبا الإسرائيليين، وشارحا استراتيجيته في التعامل مع الأنظمة العربية:
( لأول مرة في تاريخ البلد، وقعتُ اتفاق سلام يصدر عن القوة، سلام مقابل السلام، وتلك هي المقاربة التي قدمتها لسنوات: صنع السلام ممكن دون التنازل عن الأراضي، ودون تقسيم القدس، ودون تعريض مستقبلنا للخطر. في الشرق الأوسط، يبقى القوي على قيد الحياة، والشعب القوي يصنع السلام). انتهى الاقتباس.
أرجو إعادة قراءته بتأمل وتدبر، ثم انظر ماذا ترى. ما أراه أننا أمام موقف سياسي أيديولوجي. وهذا يعني أنه لا تعارض في الواقع الصحيح بين الأيديولوجيا والسياسة، بل إن السياسة الحصيفة هي التي تستند لأفكار استراتيجية أيدولوجية حاكمة أو موجِهة. وهذه رسالة لمن في عالمنا من المتخلفين القائلين: لا دين في السياسة، ولا سياسة في الدين. وأن الفكر الأيدولوجي يعوّق الفعل السياسي.
ثم هذه رسالة ننقلها إلى محمود عباس، والمنظمة، وحركة فتح. الرسالة تقول ( يبقى القوي على قيد الحياة، والشعب القوي يصنع السلام، وقعت اتفاق سلام يصدر عن القوة، السلام مقابل السلام). هذه العبارات يجدر بعباس أن يتأملها ويتدبرها جيدا، وإذا ما أقنعته وخففت من حبه لذاته على حساب الحقيقة، أن يراجع مواقفه وسياساته، حين فرط بكل أسباب القوة التي كان يمتلكها الشعب الفلسطيني، وما زال يبث احتقاره لعوامل القوة التي تبنيها المنظمات المقاومة، بسبب شعور مرضي بالهزيمة الداخلية أمام القوة الإسرائيلية من ناحية، والخذلان العربي من ناحية أخرى.
لقد شرح نتنياهو استراتيجيته للإسرائيليين، وافتخر بتوقيع اتفاقيته مع ابن زايد، وقدمها كشاهد فذّ على صحة إستراتيجيته وسياسته: سلام مقابل السلام. القوة تصنع السلام في الشرق الأوسط. وقد شرح عباس في المقابل سياسته في مواجهة الاحتلال، وهي سياسة تقوم على المفاوضات، وعلى نبذ المقاومة، وهو الآن وبعد ربع قرن، لا يستطيع تقديم دليل على صحة سياسته واستراتيجيته. ولو عاد الرجل لمعطيات المنطق والعقل، لغادر ما هو عليه، وبدأ باستراتيجية القوة، التي هي الآلية التي يمكن أن تواجه استراتيجية نتنياهو وتفسدها، وتحقق مكاسب استدراكية جيدة للفلسطينيين.
كان عبد الناصر يقول ما أخذ بالقوة لا يستعاد بغير القوة، وهي استراتيجية صحيحة، ولكن السادات طبقها بشكل جزئي، فنفعته جزئيا، ثم تخلى عنها هو ومن جاؤوا بعده، وتخلت عنها كل الأنظمة العربية، وتخلت عنها منظمة التحرير، التي هي اليوم في نظر بعض منتقديها أغنى منظمة في العالم، وأفشل منظمة في العالم . وفشلها لا يختلف كثيرا عن فشل الأنظمة العربية في مواجهة الاحتلال الصهيوني.
نريد من قادة السلطة والمنظمة أن يتعلموا من عدوهم، إن لم يتعلموا من تاريخ العرب والمسلمين، والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها. ونريد منهم أن يقفوا يوما بفخر وبرأس مرتفع يقولون هذه استراتيجيتنا ، وقد ثبت نجاحها، واستعدنا بها بعض حقوقنا في فلسطين والأقصى؟! هذا اليوم الذي ننتظره بعيد إذا لم يراجع الفلسطيني نفسه وسياسته.