يستلقي المريض عماد الضبة، على سرير يحتضن أوجاعه داخل غرفة لا يسمع فيها إلا أصوات أجهزة الغسيل الكلوي الموصولة بجسده المنهك، يخترق ذراعه أنبوب طبي ليتم إجراء عملية الغسيل الكلوي، في غرفة تفوح منها رائحة الأدوية والمحاليل الطبية.

وما أن انتهت عملية "الغسيل" التي أجراها الضبة (32 عامًا) المصاب بالفشل الكلوي، حتى بدأ يلوح للطبيب المعالج ليعلن توقف عملية الغسيل، ويفك الأنبوب الذي يخترق ذراعيه، ليخضع مصاب آخر لنفس العملية.

ويضطر الضبة، وهو من سكان حي الشجاعية شرق مدينة غزة، لإجراء عملية غسيل كلوى ثلاث مرات أسبوعيًا بواقع أربع ساعات للجلسة الواحدة، الأمر الذي ينهكه نفسيًا وجسديًا.

احتياج مستمر 

وأصيب الضبة، وفق ما قاله لصحيفة "فلسطين" بالفشل الكلوي في مايو 2018 بعد تعرضه لإعياء شديد وآلام في الكلى ليخضع بعدها لسلسلة فحوصات ليتبين بعدها أنه مصاب بالفشل الكلوي ويخضع منذ ذلك اليوم لعملية الغسيل.

بينما يتابع الشاب "عماد" بقلق الأخبار التي تتحدث عن توقف محطة توليد الكهرباء عن العمل، بسبب منع الاحتلال الإسرائيلي إدخال الوقود اللازم لتشغيلها، قائلاً: إن أزمة الكهرباء تفاقم من معاناتي فبعض الأيام أحتاج لإجراء تبخيرة في منزلي بجهاز اشتريته منذ أعوام كي يغنيني عن الانتقال للمستشفى لإجراء العملية لكن انقطاع الكهرباء يجعلني اتنقل بشكل مستمر لأقرب مستشفى لأجري عملية التبخيرة التي تساعده على التنفس بسهولة.

أوقفت شركة توزيع الكهرباء في قطاع غزة، أول من أمس، عمل محطة التوليد بكامل قدرتها الإنتاجية؛ بسبب منع الاحتلال الإسرائيلي إدخال الوقود اللازم لتشغيلها في إطار قرارته الأخيرة بتشديد الحصار، في حين حذرت أطراف عديدة من دخول القطاع في أزمة إنسانية خانقة جراء ذلك.

ويصل عدد ساعات وصل التيار الكهربائي لمنازل المواطنين والمنشآت إلى 4 ساعات أو أقل يوميا.

تعرض للخطر

ويخشى الحاج جهاد مشتهى، الذي يعاني من فشل كلوي، على روحه إذا ما استمرت أزمة انقطاع التيار الكهربائي.

ولا يستبعد مشتهى، من تدهور أوضاعه الصحية برفقة زملائه المرضى في ظل انقطاع التيار الكهربائي، وفي حال عدم تمكنهم من إجراء عمليات الغسيل الكلوي ما يعرض حياتهم للخطر.

ويضطر مشتهى الذي بدأ عليه التعب والإرهاق قبل أن يجري عملية الغسيل الكلوي، لإجراء ثلاث عمليات "غسيل" أسبوعيًا بواقع أربع ساعات للجلسة الواحدة، وفي حال تأخره عن موعده المحدد يشعر بالتعب الشديد وعدم المقدرة على الحركة أو التركيز.

ويعاني مشتهى، وفق ما قاله لصحيفة "فلسطين" من فشل كلوى منذ خمس سنوات، لتناوله أدوية غير مناسبة أدت إلى ضعف وفشل الكلى، مؤكدًا أن عدم تزويد المستشفيات بالكهرباء اللازمة سيلقى بآثار سلبية سيئة على المرضى ويعرضهم للخطر.

ودعا الحاج مشتهى، المجتمع الدولي وعلى رأسها منظمة الصحة العالمية للضغط على سلطات الاحتلال لتزويد قطاع غزة باحتياجاته من الكهرباء لتجنبهم من الموت.

إرباك العمل

وتهدد أزمة انقطاع التيار الكهربائي وفق استشاري ورئيس قسم أمراض وزراعة الكلى في مجمع الشفاء الطبي د. عبد الله القيشاوي، حياة مرضى الفشل الكلوي.

ويؤكد القيشاوي، في حديث لصحيفة "فلسطين" أن انقطاع التيار الكهربائي سيؤثر سلبًا على غالبية المرضى، وأجهزة الغسيل الكلوي، معربًا عن خشيته من تعطل تلك الأجهزة بسبب انقطاع الكهرباء وفي ظل عدم وجود قطع غيار مستخدمة لصيانتها. 

وبين أن جهاز الغسيل الكلوي الواحد يخدم بشكل يومي نحو خمسة مرضى، مشيرًا إلى أن تعطل أحدها سيؤدي لتعطل عملية الغسيل وإرباك العمل في القسم. 

وأشار إلى أن القسم يخدم 525 مريضًا تجرى لهم عمليات الغسيل ثلاث مرات أسبوعيًا بمعدل أربع ساعات لكل جلسة على أربع فترات.

ولفت القيشاوي إلى أن الفترة الأولى تبدأ الساعة السادسة صباحًا، في حين تبدأ الفترة الخامسة بعد منتصف الليل وتستمر حتى ساعات الفجر الأولى.

ويوجد في داخل قسم الغسيل الكلوي بمجمع الشفاء الطبي 60 جهازًا، يخدم 525 مريضًا، وفق القيشاوي، الذي دعا لتوفير التيار الكهربائي وكافة الأدوية والمستهلكات الطبية للمرضى.

كارثة صحية

من جهته، حذر مدير مجمع الشفاء الطبي محمد أبو سلمية، من كارثة صحية ستضرب مستشفيات قطاع غزة في حال لم يتم إيجاد حل لانقطاع التيار الكهربائي.

وأكد أبو سلمية لصحيفة "فلسطين" أن انقطاع التيار الكهربائي عن القطاع أكثر من 16 ساعة يؤثر على المرضى والعمل في مستشفيات القطاع وخاصة بمجمع الشفاء الطبي الذي يضم أكبر قسم لغسيل الكلى وحضانات الأطفال وغرف العمليات والعناية المركزة.

وبين أن انقطاع التيار الكهربائي وعودته أول أمس عن مجمع الشفاء الطبي أدى لتعطيل جهاز "CT" الذي يخدم مجمل مرضى القطاع، إلى جانب أعطال أصابت أجهزة العمليات.

وشدد قائلًا: "إننا مقبلون على كارثة صحية حقيقية في حال لم يتم إيجاد حل لانقطاع الكهرباء"، داعيًا لتزويد مستشفيات القطاع باحتياجاتها من الكهرباء والوقود اللازم لتشغيل المولدات الكهربائية، قائلًا: "المستشفيات بدون الكهرباء لا تعمل فالكهرباء عصب الحياة في المستشفيات".