بعد 100 عام على "وعد بلفور"، لا يزال الفلسطينيون يأملون بالحصول على اعتذار من بريطانيا التي تواجه مطالبهم بالتعنت، في وقت وقّع ما يزيد عن 11 ألف بريطاني على طلب الاعتذار عن هذا الوعد.
ويسود اعتقاد على نطاق واسع، بأن لندن لن تتراجع عن موقفها على الأقل في المرحلة القريبة، لكن يراهن الفلسطينيون على توعية الرأي العام البريطاني بهدف الضغط على الحكومة، في حين يدعو مراقبون السلطة الفلسطينية إلى اتخاذ إجراءات عملية، وعدم الاكتفاء بالمطالبات.
يقول مدير مركز العودة الفلسطيني في لندن، طارق حمود: إن حملة مطالبة بريطانيا بالاعتذار لها أكثر من بعد، وهي مسيرة متكاملة وكبيرة للمطالبة بالحقوق الفلسطينية، ودعوة لندن إلى تحمل مسؤولياتها التاريخية، وصناعة وعي جمعي داخل المجتمع البريطاني بهذا الشأن، وتعريف الرأي العام بحجم الانتهاك الذي تم ارتكابه بحق الشعب الفلسطيني من خلال وعد بلفور.
ويوضح حمود لصحيفة "فلسطين"، أنه قد لا يتم الحصول على اعتذار قريبا، لكن "مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة"، متابعا: "هذه القضية ربما تكون طويلة وربما نحصل على مبتغانا في أقرب وقت، لكن نريد أن نفهم الموضوع في إطاره الجمعي".
وعن التوجه المبدئي للندن بشأن هذه القضية، يجيب: "حصل أكثر من لقاء بيننا وبين الحكومة البريطانية على أكثر من مستوى وتم توجيه رسائل عدة وتلقينا أيضًا بعض الرسائل، والآن نتلقى ردا رسميا على الحملة بعد وصول الموقعين إلى أكثر من 10 آلاف".
وعقب توقيع آلاف البريطانيين على طلب اعتذار بلادهم عن وعد بلفور، نقل مركز العودة عن موقع البرلمان البريطاني أن الحكومة باتت ملزمة الآن بإرسال رد رسمي خلال مدة زمنية أقصاها ثلاثة أيام، توضح فيه موقفها من مطالب الحملة.
ويؤكد أن الموقف البريطاني الرسمي رافض للاعتذار، مبينا في نفس الوقت أن الحملة من شأنها الضغط على الحكومة.
ويفسر ذلك بأن الحكومة البريطانية كانت قد أعلنت رسميا نيتها الاحتفال بذكرى وعد بلفور، ثم تراجعت وقالت إنها ستحييها بطريقة أو بأخرى، مبينا أن الحملة والمطالبات الشعبية تسبب لهذه الحكومة حرجا كبيرا، وهذا الأمر هو أحد إيجابيات الحملة.
ويشير إلى أن بريطانيا ارتكبت جريمة تتمثل في وعد بلفور، وتريد الاحتفال بها، فيما الحملة تحاول أن تمارس أكبر ضغط ممكن عليها.
وعن الرد المحتمل للحكومة البريطانية على العريضة المطالبة بالاعتذار، يقول: "هناك بعض المسائل السياسية التي قد لا تنفع معها الحملات، كون هذه في النهاية سياسة خارجية تم رسم استراتيجيتها عبر عقود من الزمن، وبناء على مصالح معينة، لكن هذه الحملة قد تؤثر في تشكيل وعي جديد من الممكن أن يدفع الحكومة للتفكير بخيارات أخرى".
وبشأن تلك الخيارات، يوضح أنه إنْ لم يكن الاعتذار، فمن الممكن أن تفكر بموازنة سياستها الشرق أوسطية وما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
ويُبين أنه ليس هناك ما يلزم الحكومة البريطانية من ناحية قانونية أن تستجيب للحملات لكنها تترك أثرها على الشارع الانتخابي، الذي يقرر من الذي سيذهب إلى البرلمان، مُعوّلا على حدوث تغيير جذري في السياسة العامة البريطانية نتيجة تحولات الرأي العام.
خطوات عملية
من جهته، يقول الباحث المتخصص في الشؤون الأوروبية، حسام شاكر: إن التحرك الفلسطيني لمطالبة بريطانيا بالاعتذار عن وعد بلفور، هو بالغ الأهمية، ولا بد أن تنخرط فيه كل الجهود الفلسطينية، وأيضًا الداعمة للحق الفلسطيني.
ويوضح شاكر، لصحيفة "فلسطين"، أنه يجب عدم السماح بتمرير هذه "السابقة التاريخية" المتمثلة بوعد بلفور، أو اعتبارها حدثا اعتياديا، منوها إلى أن هذا الوعد يمثل "انتهاكا جوهريا لأبسط معايير كرامة الشعوب وحقوقها".
ويلفت إلى أنه من المنتظر من السياسة الرسمية الفلسطينية تحركات قوية، لا تكتفي بـ"المطالبة الجوفاء"، بل يجب أن يرافقها تحذيرات، وخطوات عملية محسوسة، منوها إلى أن الشعب الفلسطيني يراقب باهتمام بالغ هذا الملف.
وكان رئيس السلطة محمود عباس، قال خلال مؤتمر لسفرائه في البحرين مؤخرا: "طلبنا من أحبابنا الإنجليز أن يقولوا sorry (آسفون) ويعترفوا بدولة فلسطين"، مبيناً أنه هدد برفع قضية ضد لندن بالمحافل الدولية إذا لم تعتذر.
وعن الخطوات التي يمكن للسلطة الفلسطينية القيام بها، يقول: "هناك حزمة من الخطوات التي يمكن القيام بها مثل التلويح بإجراءات عملية كإشعار بريطانيا بأن هناك تحركا دوليا وتحويل الأمر إلى قضية رأي عام عالمي".
وينبه إلى أن بريطانيا إذا شعرت بذلك، فهي سواء اعتذرت أم لا، قطعا ستراجع حساباتها، ولا بد أن تصل هذه الرسالة.
ويتابع: "نحن نتحدث عن مظلمة كبيرة على مستوى التاريخ، وعن مرور قرن كامل من الزمن"، مشيرا إلى أن اعتزام لندن إحياء ذكرى هذا الوعد، يعني أنها لم تلتقط الرسالة المطالبة لها بالاعتذار.
ويشدد على ضرورة وجود ضغوط واسعة جدا، ليسمع العالم صرخة الشعب الفلسطيني في هذه المسألة التي لا يمكن تمريرها، منوها إلى أن المطلوب من بريطانيا ليس فقط الاعتذار، وإنما أن تفتح أيضًا تحقيقا تاريخيا من خلال لجنة مؤرخين دوليين تفحص الملابسات التي أدت إلى هذا الوعد، وما ترتب عليه.
ووفقًا لشاكر، فإن العديد من الخطوات التي تعبر بعمق عن تحمل بريطانيا المسؤولية عن "هذه الكارثة"، يجب أن تتبع الاعتذار، مبينا أن وعد بلفور صنع "مأساة للشعب الفلسطيني مازالت مستمرة حتى اللحظة".
من جهته، يقول سفير السلطة لدى لندن، مانويل حساسيان: إن وعد بلفور أدى إلى قيام (إسرائيل)، لكنه في الوقت ذاته تنازل عن ميراث الشعب الفلسطيني، وخلق أجيالاً من اللاجئين"، مضيفا لجريدة الحياة اللندنية، أن سفارته تقوم بحملة واسعة في بريطانيا رداً على احتفالية بلفور المئوية.
وعن رفع بريطانيا مكانة التمثيل الفلسطينية في 2011من مفوضية إلى بعثة ديبلوماسية، يتابع: "إن هذه الخطوة كانت رمزية لأنه لم يترتب عليها امتيازات دبلوماسية"، مردفا: "لكن منذ ذلك الحين، لم نشاهد سوى التراجع في وضعنا، فموظفو البعثة لا يتمتعون بمميزات الدبلوماسيين ذاتها، ويقال لنا إن ذلك ناجم عن عدم اعتراف بريطانيا بفلسطين".
وينبه إلى أن الحكومة البريطانية، تقدم دعما غير مشروط لـ(إسرائيل)، وذلك بخلاف البرلمان والأحزاب المعارضة الرئيسة التي قال إنها تنتقد انتهاك سلطات الاحتلال الإسرائيلي، القانون الدولي.
ووعد بلفور، هو الاسم الشائع للرسالة التي أرسلها وزير الخارجية البريطاني آرثر جيمس بلفور في الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني 1917 إلى اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد، وقال فيها: إن "الحكومة البريطانية تنظر بعين العطف إلى إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وإنها ستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية".