ليس حبًّا في حكام الإمارات، وليس دفاعًا عن سياساتهم الداخلية والخارجية، فسياساتهم مدانة ولا تستحق من أدنى عربي أو فلسطيني أن يدافع عنها، فالطاغوت لا يدافع عنه إلا طاغوت مثله، أو أعتى منه. ولكن ما أقوله هو: كيف لصائب عريقات، والبيان الرسمي للمنظمة أن يطالب الإمارات بالتراجع عن اتفاقية الاعتراف والتطبيع مع دولة الاحتلال؟!
من كتب البيان الفلسطيني يعلم يقينا أن الإمارات لن تتراجع عن الاتفاقية، لأسباب عديدة منها أن محمد بن زايد زعيم الأسرة الحاكمة في الإمارات مقتنع بصحة قراره، وسياسته في هذه المسألة، وحين يطلب منه عريقات التراجع فإن ابن زايد يقول له: لا تتدخل في شئوننا الداخلية يا عريقات، ونحن أعرف بمصالحنا، وبالأرض التي نقف عليها.
ألم يقُل بيان منظمة التحرير إننا كفلسطينيين نرفض أن تتدخل الإمارات في شئوننا الفلسطينية الداخلية، وإن منظمة التحرير هي صاحبة القرار السيادي في هذه القضية؟! من السهل أن يقول ابن زايد: نؤيد المعاملة بالمثل؟! وهكذا يخسر عريقات الحجاج، وتكون النتيجة لا تراجع، وهذا يعني أن طلب التراجع كان طلبًا سياسيًّا لتغطية الموقف الفلسطيني الرسمي إعلاميًّا!
نعم، أنا أؤيد طلب التراجع. ولكن ما الطريق للوصول إلى هذا الهدف؟! يقولون فاقد الشيء لا يعطيه. ويقول الشاعر: لا تنهَ عن خلق وتأتي مثله. التراجع عن الاعتراف بدولة الاحتلال يبدأ من عندنا، من فلسطين. إذا قررت منظمة التحرير وقائد السلطة التراجع عن اتفاق أوسلو والاعتراف (بإسرائيل)، لأن دولتهم لم تفِ بمطالب السلام وأسلو، وتنكرت للحقوق الفلسطينية المترتبة على الاعتراف والتطبيع. عندها إذا تراجعنا نحن، يمكن لعريقات وغيره أن يطالب الإمارات بالتراجع، ويصبح التراجع خيارا وطنيا وقوميا، أما أن تغرق السلطة والمنظمة في مشروع الاعتراف والتطبيع، وتطالب العرب بالتراجع، فإن البرهان رئيس السودان الجديد، الذي التقى نتنياهو في عنتيبي قال لمنتقدي لقائه: نحن لن نكون ملكيين أكثر من الملك؟! أصحاب القضية الفلسطينية محمود عباس يعترف (بإسرائيل)، ويطبع معها، ويتفاوض معها، وينسق الأمن معها. أي نحن نسير على خطى الفلسطينيين؟!
لا يمكن أن تطلب من تاجر المخدرات ترك تجارته لأنها محرمة، بينا أنت غارق في تجارتها، وهو يعلم يقينا حجم تجارتك في المخدرات. السلطة تطالب الغير بما لا تلزم به نفسها، لذا لا أحد سيحترم مطالبها البتة، لا الإمارات، ولا الأردن، ولا مصر، ولا الدول التي تقف على الدور للاعتراف والتطبيع.
عباس كان على علم بخطوات أبناء زايد وتوجهاتهم، ومنذ ٢٠١٤م دخل في خصومة معهم، ولم تنجح سياسته في منع الإمارات من الاعتراف والتطبيع، فهل ستنجح دعوته إلى التراجع في بيان لا يقدم ولا يؤخر؟! نريد من عباس أن يشرح لشعبه الخطوات التي قام بها لإقناع الإمارات بعدم الاعتراف والتطبيع؟! لا توجد خطوات؟! لأن عباس دخل في خصومة شخصية مع ابن زايد.
منذ أن قرر العرب في مؤتمر قمة الرباط في المغرب، أن منظمة التحرير هي ممثل الشعب الفلسطيني الوحيد، في مواجهة مع موقف الملك حسين، كان العرب يهدفون إلى دفع الفلسطينيين للاعتراف والتطبيع مع (إسرائيل) والتراجع عن قضية التحرير، ليتسنى للعرب الاختباء في العباءة الفلسطينية، وقد كان هذا، وهو ما ذكره محللون سياسيون في سنتها. العرب يقولون بلسان جمعي فصيح: نقبل بما يقبل به الفلسطينيون. وهي عبارة حق يراد بها باطل، لأن الفلسطينيين يقبلون بالإجماع مشروع التحرير، ولكن العرب لا يعنون هذا، وإنما يعنون يقبلون بنتائج مفاوضات الفلسطينيين مع الإسرائيليين. هذا ما يعنونه. ولكن مشكلة الإمارات أنها تجاوزت هذا المفهوم، وقالت للفلسطينيين والعرب: غيرنا المعادلة: نحن نقبل بما لا تقبلون به، ونحن نخدم بقبولنا بالاعتراف والتطبيع القضية الفلسطينية. نعم، لا يوجد قادة من العرب يثقون بالمنظمة، أو بسياسة محمود عباس في إدارة الصراع، منذ توقيع أوسلو منفردا، وهذه مشكلة تثقل المشروع الفلسطيني؟!