إذا كانت كل المصادر التي تناولت اتفاق (الإمارات إسرائيل) بالتحليل والدراسة قد أفادت وبالإجماع أنه لا مصالح راجحة لدولة الإمارات في هذا الاتفاق، وأن أضراره على الإمارات وعلى المصالح القومية العربية أكبر من منافعه التي لا تكاد ترى بالعين المجردة، فإن السؤال الباقي المحيّر يقول: لماذا أقدمت الإمارات على هذا الاتفاق المعيب؟! ولماذا كان هذا الاتفاق في هذا التوقيت بعينه؟!
مصادر المعلومات المؤكدة تقول إن الاتصالات السرية حول الاعتراف والتطبيع وتبادل السفراء كانت تجري على قدم وساق منذ أعوام في واشنطن، ودبي، وتل أبيب، وشارك فيها قادة الموساد، ويوسف العتيبة، وكوشنير مستشار ترامب، وأطراف أخرى، ووصلت غايتها في الأشهر الثلاثة الأخيرة.
أما لماذا وصلت غايتها في هذه المدة الزمنية القريبة، رغم أن ظروف العرب والإمارات لا تشجع على ذلك؟ فالجواب يكمن في حاجة ترامب من ناحية، وحاجة نتنياهو لهذا الاتفاق في هذا التوقيت من ناحية أخرى، حيث يقف ترامب على حافة الانتخابات، ولديه تراجع في شعبيته، ويقف نتنياهو على حافة المثول أمام القضاء بتهم الفساد، وعلى حافة انتخابات رابعة، قد تذهب بمستقبله السياسي، وتلقي به في السجن.
الطرفان الرئيسان في الاتفاق خطا التوقيت، وحددا ساعة الإعلان، وقرر محمد بن زايد إهداءهما هذا الاتفاق، عربون صداقة ودعم، رغم الأضرار التي قد تلحق بسمعة الإمارات ومصالحها. وفي الوقت نفسه وجد محمد بن زايد ورقة توت يغطي بها عورة الاتفاق على الأقل في المستوى الإعلامي، حيث زعم أنه فعل ذلك من أجل فلسطين؟!، ومن أجل منع نتنياهو من ضم أجزاء من الضفة الغربية؟!
ورقة التوت لم تستر عورة الاتفاق، فقد مزقها محمود عباس وحماس والفلسطينيون حين أنكروا على محمد بن زايد التجارة الرخيصة بالقضية الفلسطينية، واتهموا الاتفاق بالخيانة والعار، ومزقها نتنياهو وترامب حين قالوا إن إيقاف الضم هو بشكل مؤقت، ولا يوجد شيء مكتوب وملزم بهذا الصدد.
التوقيت إذا لم يكن إماراتيا، أي لم يكن مناسبا لدولة الإمارات، وكان إسرائيليا أميركيا، ويناسب حاجة ترامب، ونتنياهو، ومن ثمة ضحت الإمارات بمفهومها ومصالحها، لصالح ترامب ونتنياهو، لأن الإمارات لم تكن في عهد ورثة الشيخ زايد تؤمن بالتحرير، أو بضرورة الضغط على (إسرائيل ) للانسحاب من الأراضي المحتلة، بل ولم تكن تؤمن بقوة في المبادرة العربية، وضرورة الالتزام بها. زد على ذلك أن الإمارات تحت قيادة محمد بن زايد لا تؤمن بالعمل العربي المشترك، والتزامها بالجامعة العربية هو التزام شكلي بما يتوافق مع سياساتها القطرية فحسب.
الإمارات لا تحترم حريات الشعوب، وحقها في الثورات ضد الظلم والديكتاتورية، ومن ثمة مولت ماليا ومخابراتيا، ولوجوستيا، كل الانقلابات التي تمردت على ثورات الربيع العربي، وما زالت الإمارات متورطة في ليبيا واليمن وتونس، وتركيا، والحديث في هذه القضايا يطول وهو ليس لنا هنا بغرض.
الزمن في الإمارات هو الزمن في تل أبيب، لا الزمن الذي في القدس، الساعة الإماراتية الرسمية مضبوطة الآن على ساعة يهود في تل أبيب، وعقارب الساعة تدور للأمام، ولا ترجع للخلف، لذا لن تراجع الإمارات نفسها واتفاقها كما يطلب الفلسطينيون، وبعض العرب، والمُشْكل بعد ذلك أن مرض دبي هو من الأمراض المعدية، وقد يصل المرض في فترة قريبة: لعُمان، والبحرين، وربما تنجو منه دولة الكويت الشقيقة بفضل ما فيها من حريات وديمقراطية وروح عربية قومية.