بعد أن أقدمت حكومة الإمارات على توقيع اتفاقية سلام مع دولة الاحتلال الإسرائيلية برزت على السطح ثلاث نكات من الحجم الكبير:
الأولى: مبرر هذه الاتفاقية أنها جاءت لتوقف عملية الضم التي كانت دولة الاحتلال قد أوشكت على القيام بها، فجاءت الإمارات بقضها وقضيضها السياسي والدبلوماسي لتمنع الاحتلال من الضم ولتضع حدّا لهذا العدوان، يا لها من قوات خارقة جازمة حازمة تفوق ما فعلته عاصفة الحزم في اليمن، لقد نجحت في ردع ولجم الاحتلال من القيام بضم أراضٍ من الضفة وأعادت هذه الأراضي إلى الفلسطينيين حيث رفرف في ربوعها العلم الفلسطيني وعادت لأصلها حيث السيادة الفلسطينية الكاملة، أنهت هذا التصنيف الذي ورثناه من اتفاقية أوسلو: مناطق أ و ب و ج، اليوم كلها مناطق ألف بعد هذه الاتفاقية المباركة ولم تعد قوات الاحتلال تدخلها خشية غضب الإمارات والإخلال باتفاقية السلام معها. وتنتظر الإمارات كذلك من شريكتها في الاتفاق أن تفرج عن الأسرى سكان هذه المناطق التي توقّفت عن ضمّها من باب حسن النوايا ولإحاطة الاتفاق بالمزيد من النوايا الحسنة واللفتات الكريمة.
اتفاق السلام هذا يضع حدّا لتاريخ طويل من الحروب بين البلدين، كان لا بدّ من وقف نزف الدماء وتوفير الضحايا لدى البلدين، لقد عانى البلدان طويلا وقد آن الأوان لهذه الحرب المفتوحة أن تضع أوزارها وأن تستبدل هذه الأوزار بمنافع تحققها اتفاقية السلام للبلدين، لقد نزفت الإمارات كثيرا من دماء شبابها المنتمين للثورة الفلسطينية والمنافحين عن كرامة الأمة، فجاءت هذه الاتفاقية في سياق الذكاء السياسي حيث الذي لم تنجح الحروب بتحقيقه سوف يحقّقه العمل السياسي الذكي والقوي وما لم تحققه الحروب القائمة بين البلدين من غير أن تأخذ حقًّا ولا باطلا، ستحقّقه المعارك الطاحنة بين البلدين على طاولة المفاوضات، فالحياة بالدرجة الأولى كلها مفاوضات وإتقان هذا الفن لا يقل أهمية عن إتقان فنون القتال العسكرية، فسلاح الجو الإماراتي المتميّز وقواته المؤلّلة ودباباته المصفحة كانت على وشك تحقيق الانتصار في أرض المعركة مع هذا العدوّ الذي اغتصب اقدس مقدسات الأمة، لقد نجحت الإمارات في معركة التفاوض هذه أن تحقق دون قطرة دماء ما لم تحقّقه تلك الحروب الطاحنة بين البلدين وقرّرت توقيع اتفاقية السلام هذه.
وثالث هذه النكات أن الإمارات ومن سيلحقها من دول المقاومة والجهاد قد قرّرت تغيير قواعد الاشتباك مع هذا العدوّ، القواعد الجديدة تبدأ من تغيير صفة عدوّ لدولة "إسرائيل" إلى صفة صديق، ومن صفة دولة مرفوضة في المنطقة إلى دولة مقبولة ومحفوفة بالاحترام والتبجيل والسيادة والريادة ومن جانبنا من المشاغبة والتهويش على دولة الاحتلال إلى الركوع والتبعية والرضوخ التامّ والاندماج بسياساتهم وأهدافهم في المنطقة، ولا بدّ من تغيير قواعد الاشتباك في ترتيبات المنطقة فالبديل الجاهز لدولة الاحتلال هو إيران وحركات المقاومة حيث منابع الإرهاب في المنطقة.
هذه الثلاث نكات وغيرها تدلّل على أن المنطق الذي يسوق سياسات هذه الدول هو منطق القطيع، دول تساق كالقطيع من قبل الراعي الأمريكي ووكيله في المنطقة وهم بدورهم يسوقون شعوبهم، فهذه الشعوب المغلوبة على أمرها لا تنبس ببنت شفة ولا تتحرك أي مظاهرة احتجاجية على ما يفعل حكامها، حتى أن التوقيت يتم اختياره برعاية تامة لمصلحة الراعي ولا يعطي لهم ما يحفظ وجوههم أمام شعوبهم.