تزداد القناعات الإسرائيلية يوما بعد يوم أن الانسحاب من قطاع غزة، التي تصادف هذه الأيام ذكراه الخامسة عشر، شكل كارثة أمنية، رغم وعود أريئيل شارون بأن الانسحاب من غزة سيحقق الأمن والسلام لإسرائيل، لكن اليوم وبعد 15 عامًا، يمكن الخروج باستنتاج على وجه اليقين أن هذا الواقع قد تحطم بداخلهم.
اجتهد شارون في محاولة لإقناع الإسرائيليين بصوابية هذه الخطة من خلال حديثه أنها ستعزز سيطرة إسرائيل على الأراضي الحيوية، ويقلل من العداء باتجاهها، ويفك المقاطعة والحصار عنها، ويدفعها نحو السلام مع الفلسطينيين والعرب، والوصول لواقع أمني وسياسي واقتصادي وديموغرافي أفضل، وينفي عن إسرائيل مسؤوليتها تجاه الفلسطينيين في غزة، ونتيجة الانسحاب لن يكون أساس للادعاء بأن القطاع أرض محتلة.
لكن شارون، وفقا لمعارضيه، لم يأخذ بعين الاعتبار لدى طرح خطته بالانسحاب من غزة آراء المستوى المهني والعسكري، بل تجاهله، كما فاجأ رئيس الأركان موشيه يعلون، ورئيس الشاباك آفي ديختر وآخرين كثر، حتى أن غيورا آيلاند، رئيس مجلس الأمن القومي وقت فك الارتباط أعلن أن آلية تخاذ القرار في إسرائيل إشكالية للغاية، وضحلة، وهو تجسيد لموت الديمقراطية حقًا في إسرائيل.
منذ الخروج من غزة، يمكن القول أن الشرعية الدولية لإسرائيل لم تتحسن، على العكس، فبعد كل عملية عسكرية في غزة تذهب إليها بعد سقوط الصواريخ في قلب مدنها تشكل ضدها لجنة تحقيق دولية باسم مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وبعد حرب غزة الأولى تلقت تقرير غولدستون، وكل ذلك يقوض مكانتها الدولية.
كما أن وعد شارون بأنه لن يكون أساس للادعاء بأن غزة أرضا محتلة، لم تعد صحيحة، بل تحطمت لأشلاء في اختبار الواقع، فعيون العالم كله على إسرائيل فيما يتعلق بكل أمر صغير في غزة، خاصة الوضع الإنساني الصعب المتهمة فيه إسرائيل بسبب حصارها، ورفضها السماح لعمال غزة بالعمل فيها، والحالة الصحية الحرجة لأنها لا تسمح للمرضى بمغادرة غزة لتلقي العلاج في مستشفياتها.
زعم شارون في ترويجه للانسحاب من غزة أنه سيدفع الإسرائيليين للسلام مع الفلسطينيين وجيرانهم، لكن الواقع يقول أن السلام ابتعد، فيما نال مع بقية جيرانها دفعة كبيرة، ليس بسبب الانسحاب، بل بسبب المصالح الاقتصادية ومناهضة إيران، ولذلك فإن الانسحاب لم يحسن وضع إسرائيل السياسي، ولو بمقدار ملليمتر واحد.
خطاب شارون الذي أعلن فيه أن الانسحاب هو تحرك أمني، وليس سياسياً، يبقي السؤال الأمني الوحيد مفتوحًا أمام الإحصاءات، ففي الذاكرة الجماعية للإسرائيليين، عندما يذكرون "غزة"، ترتفع صورة جنودهم، وهم يبحثون عن أجزاء أجساد رفاقهم في رمال محور صلاح الدين جنوب رفح، صورة تؤسس لكي الوعي!