في الوقت الذي بدأت فيه الحدود الفلسطينية الشرقية في قطاع غزة تسخن مع مرور الوقت، خاصة عقب تلكؤ الاحتلال في تنفيذ التفاهمات الإنسانية المتفق عليها قبل قرابة عامين، بوساطة إقليمية ودولية، فإن هذا التصعيد التدريجي يتزامن مع توجه عيون قادة الجيش الإسرائيلي نحو الجبهة الشمالية، حيث التوتر المتفجر مع لبنان، لا سيما بعد انفجار مرفأ بيروت.
صحيح أن المواجهة الشاملة لا تبدو خيارا مفضلا لأي من الجانبين، لكن فرقة غزة في قيادة المنطقة الجنوبية التابعة لجيش الاحتلال، لا سيما مع تعيين قائدها الجديد "نمرود ألوني"، تبدي قناعة بأن الساحة الفلسطينية، لا سيما في غزة تبدو مرشحة للانفجار، من خلال احتمال حدوث تدهور أمني وعسكري كبير.
"ألوني" يعتقد أن إطلاق الصواريخ الأخيرة من غزة بمثابة جرس إنذار لكل من يعتقد أن المنظمات المسلحة في غزة قد غفت على عجلة القيادة، مع توفر تقديرات بأنه إذا اندلعت الحرب القادمة على الحدود اللبنانية أو السورية، فإنها قد تدفع المنظمات المسلحة في قطاع غزة للانضمام إليها.
صحيح أن الساحة اللبنانية يعرّفها الجيش الإسرائيلي بأنها الأكثر دموية بين باقي الساحات المتوترة، لكن قطاع غزة هو الساحة المتفجرة التي قد تفاجئ في أي لحظة، وتتحرك من صفر إلى 100 كم/ساعة، ويرجع ذلك بشكل أساسي لعدم الاستقرار الاقتصادي والمعيشي، والمشاكل المتنامية التي تفاقمت منذ حرب غزة الأخيرة صيف 2014، وقرارات رئيس السلطة الفلسطينية بفرض عقوبات اقتصادية عليها.
من المتوقع أنه مع تزايد الإحباط في غزة، وارتفاع معدلات البطالة، أن تسعى حماس لتحويل الأنظار لإسرائيل، وقيادة الجمهور الفلسطيني للمسيرات الشعبية عند الجدار الحدودي، مما دفع تل أبيب لأن تستوعب بأن التسوية مع حماس تتطلب منها التنازل، لتهدئة الأراضي الفلسطينية في المجال الاقتصادي، ولذلك توصلت حماس لتفاهم مع إسرائيل بوساطة مصرية ومساعدة مالية من قطر.
في الوقت نفسه، لا يمكن لكارثة بيروت أن تنسي تل أبيب تهديد غزة، وانشغال حماس على مدار الساعة في بناء قوتها، وتكثيفها، وزيادة تجاربها الصاروخية، مما يجعل جبهة غزة لا تقل تحدياً عن المشروع النووي الإيراني، وتمركز الحرس الثوري في سوريا، ومشروع حزب الله للصواريخ الدقيقة.
كل ما تقدم يؤكد أن الجهود العسكرية التي يبذلها الجانبان، المقاومة والاحتلال، لاسيما مع استئناف إطلاق البالونات الحارقة باتجاه المستوطنات الجنوبية، يعطي شواهد جديدة على أن الفصائل الفلسطينية ربما تفقد صبرها، مما يجعل الخيارات الإسرائيلية مع حماس إما تسريع التسوية، وإلا ستعود الحدود للمواجهة التي اتسمت بها خلال الأعوام السابقة.