توقفت مسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار، ولم تتوقف أعمال المقاومة التي صاحبت هذه المسيرات. البالونات المفخخة، ووحدات الإرباك الليلي، عادت من جديد لواجهة الأحداث اليومية والإعلام. الإرباك الليلي للمستوطنين في غلاف غزة يعتمد على وسائل مدنية، أصوات تفجيرات، ومكبرات صوت، تستهدف بث القلق في ليل المستوطنين. والبالونات الحارقة تستهدف الأحراش وحقول الحبوب المحيطة بغزة، وهذه الأدوات هي وسائل مقاومة مدنية لا تخالف القانون الدولي.
نعم، لم توقع هذه الأدوات خسائر بشرية بين الجنود أو المستوطنين، وهذا أمر طبيعي؛ لأن هذه الأدوات لا تستهدف قتل الأفراد، وإنما هي تعبير غزي شعبي عن رفض سياسة الحصار المفروض على غزة، ورفض إجراءات حكومة الاحتلال لتعميقه، لا سيما بعد خروجها من التفاهمات، وعدم الوفاء بتعهداتها للجانب المصري. البالونات المفخخة لا تستهدف القتل، ولكن تستهدف الدفاع الذاتي عن الحقوق الفلسطينية، ومنع المستوطنين الأمن، وحرية استغلال الأرض الفلسطينية المحتلة، في حين يعيش الغزيون قلق الحصار وهمومه اليومية.
يبدو أن البالونات الحارقة قد أتعبت نفسية غانتس قائد الجيش، وأتعبت هيئة الأركان، حيث خرجوا علينا بتهديدات ساخنة بأعمال انتقامية. غزة فيما يبدو استمعت لهذه التهديدات الساخنة، ولكنها أخرجت لها لسانها، وهزِئت بمطلقيها. لسان غزة يقول: هل تريدون منا أن نقف متفرجين على احتلالكم وعلى حصاركم؟! هذا أمر لا يستقيم في منطق العقل، والتاريخ. نحن نقاومكم لأن مقاومة الاحتلال والحصار واجب وطني، وضرورة شرعية، وحاجة بشرية. تهديداتكم لن توقف البالونات، ولا الإرباك الليلي، وكل شيء في هذه الحياة بثمن، وعليكم أن تدفعوا ثمن الاحتلال، وثمن الحصار.
ضفة دون مقاومة، وبالونات حارقة، أمرها سيئ، والأسوأ من ذلك أن تعيش غزة دون مقاومة لأن الاحتلال يهدد بالانتقام. ثمة معادلة قررتها المقاومة تقوم على الرد المدروس على كل عدوان، وعلى كل حماقة للعدو، وغزة تمتلك أن تهدد أيضا بالرد في تل أبيب وغوش دان، وهذا حقها المشروع.
على العدو أن يلتزم بتعهداته حول التهدئة كما أبلغها للجانب المصري، وهي الوسيلة الوحيدة لعودة المقاومة للتهدئة. غزة تعاني مشكلات اقتصادية واجتماعية متعددة بسبب الحصار، ولا حلّ لهذه المشكلات إلا بمقاومة العدو وإخضاعه لتفاهمات التهدئة، لا سيما في ظل جائحة كورونا. المقاومة لم يعد لديها صبر على ألاعيب العدو، لذا لا تراجع عن أعمال المقاومة البتة.