إن لم يكن الشخص مسؤولًا فلن يجد من ينوب عنه! يا لها من عبارة تشير بقوة إلى أهمية المسؤولية المجتمعية، والتي أصبحت ضرورة إنسانية ملحة، وواجبًا أخلاقيًّا ومبدأ وطنيًا أصيلًا؛ فلم تعد المسؤولية المجتمعية في هذا العصر الذي نعيشه خيارا للأفراد والمؤسسات المختلفة؛ ولكنها أصبحت أمرا حتميا للبقاء والاستمرار.
ومن يتتبع مفهوم المسؤولية المجتمعية سيجد أنه أصبح يشير حديثا إلى التزام الأفراد والمؤسسات تجاه المجتمع والمساهمة في تحقيق التنمية المستدامة في مختلف المجالات والعمل على تحسين نوعية الظروف الحياتية والمعيشية بشكل عام.
وتعد المؤسسات التعليمية من أهم المؤسسات التي لجأت إليها المجتمعات الحديثة والمتقدمة في شتى بقاع العالم؛ لتلبية وتحقيق بعض الحاجات التربوية والتعليمية والسلوكية التي عجزت عن تأديتها الأسرة نتيجة لتعقد الحياة وتشعباتها وازدياد صعوباتها ومشكلاتها وأعبائها، فأصبحت المؤسسات التعليمية بمثابة مؤسسات اجتماعية يتعلم فيها الطلبة العلم والمعرفة والثقافة على مدار سنوات الدراسة المتتابعة والمختلفة، كما تسعى إلى تحقيق النمو الشامل لدى الناشئة والشباب جسميا ونفسيا وعقليا واجتماعيا بما يساعد على إعداد الفرد وتنشئته التنشئة السليمة ليكون مواطنا صالحا معدا للعيش في خضم هذه الحياة، ويعد المجتمع المدرسي بمثابة حلقة الوصل بين الأسرة والمجتمع العام، إذ يسهم في تحقيق النمو العقلي والانفعالي والاجتماعي للناشئة.
وللمؤسسات التعليمية دور كبير ومهم في تنمية الوعي المجتمعي وتعزيز قيم المسؤولية المجتمعية في نفوس الطلبة، فالمدارس والجامعات تعد مجالا رحبا لتعليم القيم والمبادئ والمعايير الاجتماعية والاتجاهات الإيجابية لدى الأفراد والناشئة بصورة سليمة تجعل الطلبة قادرين على الاعتماد على أنفسهم والتنافس الشريف وتحمل المسؤولية واحترام الأنظمة وتأدية الواجبات والعمل بروح التعاون والنظام، ويمكن للجامعات أيضا أن تعظم دورها في سبيل تنمية المسؤولية المجتمعية وتعزيزها في نفوس الشباب من خلال تنفيذ برامج الأنشطة الطلابية المختلفة التي تنفذها بالشراكة مع مؤسسات المجتمع الأخرى، وكذلك يمكنها القيام بهذا الدور من خلال تنظيم المؤتمرات المحلية والإقليمية والدولية التي تعزز وتستهدف موضوع المسؤولية المجتمعية.
وباستقراء الواقع العالمي وتتبع موضوع المسؤولية المجتمعية، يمكن القول إنه يمكن للأفراد والمؤسسات المختلفة أن تعزز دورها المجتمعي وتبرهن على مسؤوليتها المجتمعية من خلال العديد من الأفعال والأداءات، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: المساهمة في إنشاء وبناء بعض المؤسسات التعليمية ولا سيما في التخصصات التي يحتاج إليها الوطن، وأيضا دعم برامج ذوي الإعاقة وذوي الاحتياجات الخاصة في المدارس والجامعات، والمساهمة في توفير جميع ما يحتاج إليه الطلبة لتطوير قدراتهم العلمية والتعليمية، وكذلك تشجيع البحث العلمي من خلال رصد ميزانيات مناسبة له سنويا، وأيضا من خلال دعم المشروعات الصغيرة لتشجيع الشباب على النجاح والمساهمة في بناء الوطن، وأيضا من خلال المساهمة في إنشاء مراكز ومؤسسات لرعاية كبار السن وخاصة من ليس لديهم أسر ترعاهم، وأيضا من خلال المساهمة في إنشاء مراكز خاصة للأيتام وتوفير جميع احتياجاتهم اليومية، وكذلك المساهمة في إنشاء الأندية الاجتماعية والرياضية والثقافية، وأيضا المساهمة في مجال الصحة من خلال المساهمة في بناء المستشفيات والمراكز الصحية وغيرها، ودعم حملات التوعية الصحية والبيئية للأفراد، ورعاية المؤتمرات الطبية والعلمية والبيئية وغيرها.
وفي الختام أقول: إن المسؤولية المجتمعية ليست حكرًا على أحد، ولكنها منوطة بنا جميعًا، وعلينا جميعًا أن نربي أبناءنا التربية السليمة، وأن نعزز في نفوسهم منذ الصغر مبادئ المجتمع وقيمه، وأن نغرس فيهم قيم الانتماء والولاء وخدمة المجتمع والمثل الأخلاقية الراقية بما يساهم في النهاية في تخريج جيل فاهم واع مسؤول، جيل قادر على تطوير المجتمع ودعمه وتنميته والمحافظة على رخائه واستقراره، وأخيرًا علينا جميعًا أن نعرف أنه بقدر مسؤوليتنا المجتمعية تكون بصمتنا الحقيقة في الحياة.