لا يعتمد الإسرائيليون في ضم الضفة الغربية على الدعم الأمريكي كما يدعي البعض، ولا يعتمد الإسرائيليون على سلاحهم وقوتهم فقط، يعتمد الإسرائيليون على الحيلة في تثبيت حقائق استيطانية جديدة على الأرض، ويعتمدون على العمل المنظم ضمن خطة، وضمن جدول زمني، ودون إثارة ردة فعل، ولعل هذه إحدى توصيات ديفيد بن غوريون الذي ناشد اليهود قبل أكثر من سبعين عاماً التمدد الأفقي على الأرض الفلسطينية، وتأجيل التمدد الرأسي إلى ما بعد قيام الدولة، وقد نجحت الخطة اليهودية التي تكررها قيادات المستوطنين هذه الأيام.
ومن خطط السيطرة على أرض الضفة الغربية، وتطبيق صفقة القرن تدريجيا خطة تهويد العقل الفلسطيني، فقد سُمح لسكان الضفة الغربية بالوصول إلى المدن الإسرائيلية دون تصاريح، والسماح لعشرات آلاف الفلسطينيين بالوصول إلى شاطئ البحر، والاستحمام، والاستجمام، ومراقبة حياة الإسرائيليين والاختلاط بهم، في خطوة لها ما بعدها من قرارات تتعلق بتطبيق القانون الإسرائيلي على بعض السكان العرب، وتتعلق بإزالة أجزاء كبيرة من جدار الفصل بعد أن أمست عائقاً أمام تطبيق خطة الضم، ولا سيما أن خرائط الضم تشمل مناطق واسعة إلى الشرق من الجدار العازل، وهذا يستوجب إزالة قطع واسعة من الجدار لانعدام جدواها، وبعد أن تأكد عدم جدوى بناء جدران جديدة حول الكتل الاستيطانية النائية، ما يعني الإبقاء على مناطق مفتوحة برمتها.
وحتى هذه اللحظة لا رد فعل فلسطيني، ولا تعقيب، ولا اعتراض، ولا تأييد، ولا غضب، ولا حتى إدانة واستنكار كما جرت العادة، وكان سماح قوات الاحتلال الإسرائيلي بتسهيل دخول آلاف الفلسطينيين للمناطق المحتلة عام 48 دون تصاريح أو حتى تفتيش، كأنه شأن إسرائيلي، وكأن سماح الجيش الإسرائيلي بفتح عدة ثغرات في الجدار الفاصل في سابقة هي الأولى منذ بدء انتفاضة الأقصى عام 2000. وكأن هذا الحدث الخطير لا يخص السلطة الفلسطينية!
إن سماح المستوى الأمني الإسرائيلي لعشرات آلاف الفلسطينيين بالتنقل بين الضفة الغربية ودولة الكيان الصهيوني بكل سهولة ويسر ليحمل أهدافاً سياسية ستظهر آثارها بعد حين، فمنذ اليوم الأول من عيد الأضحى دخل عشرات الآلاف من الفلسطينيين في الضفة الغربية لمناطق ال 48 عبر عدة ثغرات في السياج أبرزها الثغرة قرب قرية فرعون قضاء طولكرم والمحاذية لمدينة الطيبة في المثلث، وأمام أعين الجنود الإسرائيليين تحضر حافلات بلوحات "إسرائيلية" صفراء وتحمل الركاب إلى المسجد الأقصى وإلى شواطئ يافا ونتانيا وغيرها دون فحوصات أو حتى سؤال عن التصاريح، وقد غرق بعض هؤلاء الفلسطينيين في البحر وماتوا.
التحرك الفلسطيني السريع مطلوب قبل أن تموت القضية، وتغرق الأرض في بحر المستوطنات الذي يبتلع الجغرافيا والتاريخ.
ملحوظة: قبل عشرات السنين، وقبل وصول السلطة الفلسطينية، عرض علينا شارون الضم، وعرض علينا المواطنة، ولكننا رفضنا، وقلنا: منظمة التحرير ممثلنا الشرعي والوحيد!
فأين هو ممثلنا الشرعي والوحيد من ظاهرة تهويد العقل الفلسطيني، والتطبيق العملي للضم؟