بعد مرور عدة أيام على "انفجار" أو "تفجير" مرفأ بيروت، وفرق كبير بين المفردتين، ما زال الإسرائيليون يبحثون تبعاته على مستقبل العلاقة مع حزب الله، الذي كان يتحضر لتنفيذ رد انتقامي ضدهم، لكن التفجير سيعمل على إرجاء، وربما إلغاء، هذا الرد، مما يمنحهم فرصة للاستراحة مؤقتًا من تهديدات الجبهة الشمالية.
منذ اللحظة الأولى لكارثة بيروت، زعمت إسرائيل أن ردعها ازداد جرعة إضافية بعده، دون إطلاق طلقة واحدة، وبعيدًا عن الخوض في معرفة المسؤول عنه، وبروز نظريات المؤامرة، رغم تزايد الاتهامات اللبنانية بتحميل إسرائيل المسئولية عنه، ولو بصورة غير مباشرة، فلا شك أن موجات الصدمة ستستمر في ضرب لبنان، ولا تزال بيروت مشغولة بإنقاذ ضحاياها، ومع مرور الأيام وخروجها من صدمة الحادث، ستظهر أسئلة مقلقة: من المسؤول عن تخزين هذه المواد الخطرة؟ ولماذا لم يتم اتخاذ الاحتياطات اللازمة؟ وهل هذا مستودع تابع لحزب الله؟
الإسرائيليون، لم يلتزموا الصمت، فقد زعم أفيخاي أدرعي الناطق العسكري أن المعابر على حدود سوريا ولبنان تستخدم لنقل الأسلحة الإيرانية، ومرفأ بيروت بالذات يستخدم كمحور نقل بحري لهذه الأسلحة من إيران لحزب الله، في حين علق موشيه فيغلين زعيم حزب "هوية" الإسرائيلي، ونائب رئيس الكنيست السابق، قائلًا: "إن الإسرائيليين تلقوا عرضًا مذهلًا للألعاب النارية بميناء بيروت، وتأثيره المدمر أشبه بقنبلة نووية صغيرة، اليوم يوم شكر حقيقي لله، ولجميع العباقرة والأبطال الذين نظموا هذا الاحتفال الرائع لنا".
تؤكد القراءة الإسرائيلية أن انفجار مرفأ بيروت أو تفجيره، حدث استراتيجي لحزب الله، يحمل تغييرًا للواقع، وفاصلًا بين مرحلتين، في حين يقرأ الحزب جيدًا هذا الوضع، ويعلم أن التفجير سيسلط مزيدًا من الضوء على ترسانته الصاروخية، التي تزعم إسرائيل أنه يخزنها بمساكن حضرية، ليحصل على "حصانة" لنفسه من هجوم إسرائيلي.
يقدر الإسرائيليون أنه على المدى الطويل، فإنهم اكتسبوا رصيدًا ضخمًا من الردع بعد انفجار بيروت، ومن مفارقات الأقدار أن حزب الله، الذي هدد بقصف حاويات الأمونيا بخليج حيفا، تم استهدافه بصورة موجهة، أو بسبب إهمال ذاتي، بخزانات الأمونيا بساحته الخلفية، والحصيلة أن "عقيدة الضاحية" الإسرائيلية التي تتحدث عن تدمير واسع النطاق للبنية التحتية في لبنان، حصلت على أبعاد رادعة كبيرة، دون إطلاق رصاصة واحدة من إسرائيل.
في هذه المرحلة، هناك سيناريوهان إسرائيليان محتملان على المحك، ومن الصعب تقدير أيهما سيتحقق، الأول أن هذه الكارثة الهائلة التي ألحقت خسائر فادحة بالدولة اللبنانية لن تسمح للحزب بتنفيذ تهديداته للانتقام من إسرائيل، وبالتالي المخاطرة بمواجهة عسكرية، والثاني أن هذا الحدث المأساوي الذي يقوض لبنان، البلد غير المستقر بالفعل، قد يزيد بشكل كبير عدم الاستقرار فيه.